شهد عقد التسعينات من القرن الماضي خصخصة قطاع الصحة الحيوانية، مما ادي الي انتشار الصيدليات الحيوانية، وترافق ذلك مع بداية ظهور دواء جديد شكل الرافعة لازدهار ونمو القطاع، ونعني طبعا دواء الايفومك وهو علامة تجارية للمادة الفعالة الافرمكتين والتي اكتشفت عام 1984في امريكا.
شكل الافرمكتين نقلة نوعية في مجال الصحة الحيوانية علي مستوي العالم ،لقدرة تلك المادة علي طرد الطفيليات الداخلية والخارجية ، وبتراكيز قلية، فعبوة صغيرة 50 مل تستطيع علاج مائة شاة ، و الاهم انها بسعر منافس، وهذا كل ما يحتاجه المنمي في بلادنا نظرا لانتشار الطفيليات العائد اساسا لقلة نظافة الحيوان واعتماده علي مياه البرك والمستنقعات في عدة اشهر من السنة.
بدأ الدواء يلقي اقبالا منقطع النظير، حيث تم اولا تسويق علامات تجارية ذات مصداقية، ليتم استبدالها بسرعة باخري مغمورة لتتناسخ اسماؤها بسرعة، حيث تم جلبها من معظم دول العالم وبأسعار زهيدة لا يمكن تصديقها، فقد وصل ثمن العبوة 50 مل لمبلغ 150 اوقية فقط لا غير، الا ان فعاليتها لم تعد كما كانت ليضطر المنمي لمضاعفة الجرعة خمس مرات دون نتيجة تُذكر!
نشرة دوائية تحت الطلب
يُعد الافرمكتين دواء مستخدما في مجال الصحة العامة ايضا، حيث يوجد تحت اسماء عديدة وقد مكن استخدامه ضد عمي البحيرات من الحصول علي جائزة نوبل برسم السنة 2015، الا ان استخدامه البيطري يقتضي عدم اكل لحم الحيوان المعامل بالدواء قبل 28 يوما ،ولا مجال للحديث عن فترة للحليب ،لأنه وببساطة غير مرخص بتاتا للإناث المنتجة للحليب ،وحتي انه لا يسمح باستخدامه لبقية القطيع اذا كان يصعب عزله عن الاناث المنتجة خوفا من انتقاله اليها ويتم ذلك بطرق معروفة وفي الادبيات العلمية تسود العبارة المشهورة (Ivermectin is not approved for female dairy cattle of breeding age).
استهتار غير مقبول
ان مشكلة الافرمكتين في بلادنا شائكة وخطيرة، وتعكس استهتارا غير مسبوق بالصحة العامة، فالدواء مستخدم بكثرة ونشراته تحمل بوضوح ان فترة شرب الحليب مماثلة لفترة السماح بالتغذية علي اللحم أي 28 يوما! ،لكن ذلك يقتصر علي نشرات الادوية المباعة في موريتانيا والتي صممت عبواتها خصوصا لبلادنا ويجري الحديث ان تراكيزها خاصة بنا ايضا ،فشروط استخدام الدواء عندنا ليست هي نفس الشروط عبر العالم!.
لا يحتاج المرء لفطنة كبيرة، لاستنتاج ان الدواء يصنع لنا بمواصفات حسب الطلب، خصوصا ان المخابر ذات السمعة مثل Merial دواؤها غال(عبوته تشتري 70 عبوة من النوع الزهيد) ومواصفاته مطابقة للعبوة المباعة في كل مكان ، ونشرته تؤكد عدم جواز استخدام الدواء في حال الاناث المنتجة للحليب وباختصار فعبوته غير مصنعة حسب الطلب.
سبق لي قبل عقد من الزمن اثارة هذا الموضوع في صحيفة ورقية، الا ان وجود وزارة للبيطرة اليوم ،يجعلني اتساءل كيف يمكن السكوت علي التلاعببنشرات الادوية بهذا الشكل الواضح ،مما يضلل المستهلك، وقد يسبب في انعكاسات صحية خطيرة ،فقد نتفهم عجز الوزارة عن اكتشاف التزوير والتلاعب بالتراكيز ،لكن ماذا عن تزوير النشرات الدوائية!؟.
ستحتاج الوزارة للشجاعة والحكمة لإدارة هذه المعضلة، بعيدا عن تأثير اللوبيات، بما يضمن صحة الحليب،ودون أن تسبب ارباكا للمنتج المحلي في ظل تنافس محموم مع البان الخارج ،وفي انتظار تلك القرارات تبقي صحة المواطن في خطر.
المهندس: الهيبة ولد سيد الخير