تعيش مقاطعة باركيول بشكل دائم على وقع أحداث ومشاكل بين السكان أصبحت تضرب بشكل مضطرد صميم العلاقات البينية بين مكونات المجتمع هناك. وولدت الكثير من الشكوك وتحطم الثقة وأواصر الأخوة بين هذه المكونات. ذلك أن القيادات التقليدية للقبائل بآفطوط وبجميع مناطق ولاية لعصابه تصر على ملكية مزعومة لكافة الأراضي وهي مستعدة لبذل ما أوتيت من مال ونفوذ في سبيل حراسة هذه الأراضي والوقوف ضد استغلالها وحتى سكنها من طرف مجموعات أخرى.
هناك أراضي شاسعة وبور يحرم على أي من الجماعة الوطنية (افلان) السكن بها وهناك أماكن يسمح فقط لهؤلاء بإقامة أكواخ أو أخبية ويحظر عليهم إقامة مساكن أو آبار اسمنتية. أما ملكية الحقول الزراعية فهو الموضوع الأقسى والأمر والذي تتداخل فيه أسباب التملك وتتشعب بما في ذلك "العبودي" منها.
لقد عرض على السلطات العمومية الكثير من المشاكل المتعلقة بالنزاعات على الأراضي بين تلك الفيئات والأطر القبلية هناك مثل ما يحصل في عشرات البؤر بمقاطعة باركيول؛ كان آخرها ما يحدث اليوم في "دقفكّ وغيرها دون أن تستطيع هذه السلطات التحلى بالشجاعة فتضع حدا لهذه الحزازات التي تشكل تحديا جديا للسلم الاهلي وللوحدة الوطنية فتمكن الفلاحين من ولوج الأراضي الزراعية ، وتقنع جميع مكونات المجتمع بآفطوط أن على كل واحدة أن تقبل الاخرى وان لا بقاء لها دون أن تجعل من ذلك عقيدة.
إن ظهور متطرفين في الجانبين سواء في المجموعات القبلية أو داخل الفلان أو لحراطين يفاقم الوضع ويعجل من ضرورة تدارك التعايش هناك لا سيما أن وقود الفقر الحرمان وعجز السلطات وغياب الوعي كلها عوامل تفعل فعلها لتوقد نارا في هذه المنطقة الحساسة.
على هذه السلطات أن تتحمل مسؤولياتها وتخطو بثبات إلى الأمام وأن تؤمم الأراضي غير المملوكة بشكل شرعي وواضح وتجعلها للجميع.
فنحن لا يمكن أن نبني دولة على أساس تقاليد ونظم غاشمة لتظل بذور صراعات وفتن بين فئات شعبنا.
لا يمكن لحكومة موريتانيا اليوم أن تقدم لأهل آفطوط هدية أعظم من نزع فتيل مشاكل مصيرية تتعلق بالتعايش فالفتنة تطل برأسها من آفطوط وإن رائحتها النتنة أضحت تشم في كل مكان.