أعاد موقف المعارضة الموريتانية الرافض للاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي أقرها المشاركون في الحوار الوطني نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، الخلاف بين الحكومة والمعارضة حول آفاق الاصلاح السياسي المطلوب في موريتانيا.
فقد أطلق الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في تصريحات له بمناسبة ذكرى استقلال موريتانيا (28|11) اتهامات بحق بعض معارضيه المقيمين في الخارج، بالعمل على "تشويه سمعة موريتانيا في الخارج، واستعمال شتى الوسائل لإغراق بلدهم، مشددا على أن ذلك لن ينفعهم في الوصول إلى أهدافهم.
وأكد ولد عبد العزيز أن موريتانيا دولة مستقلة استقلالا تاما، مستقلة أمنيا، وسياسيا، وفكريا، مشيرا إلى أنه يسمع من حين لآخر من يقول إن الدولة كذا لا توافق على أمر في موريتانيا، معتبرا أن هذا لا معنى له، لأن الاستعمار الذي مكث في البلاد 55 سنة، وهي فترة قصيرة تقدر بأعمار الأفراد، لم يؤثر إبان تلك الفترة، فكيف يتم التأثير عليها بعد استقلالها".
وذكرت مصادر مطلعة مقربة من الحكومة الموريتانية، تحدثت لـ "قدس برس"، وطلبت الاحتفاظ باسمها، إلى أن المزعج بالنسبة لموريتانيا، ليس هو تحرك المعارضة وتلويحها بمقاطعة الاستفتاء، ولا بالتظاهر ضده، وإنما الضغوط الخارجية، وحركة السفراء الأوروبيين المتزايدة في نواكشوط، تجاه المعارضة، وأيضا الأبواب الأوروبية المفتوحة لرموز المعارضة الموريتانية في الخارج.
وتشير "وكالة الأخبار الموريتانية (مستقلة)، إلى أن عددا من معارضي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز موجودون في الخارج من بينهم رجل الأعمال محمد ولد بو عماتو، والذي كان من أكبر داعميه في بداية مأموريته الأولى، والسياسي المصطفى ولد الإمام الشافعي، وكذا رئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية "إيرا" بيرام ولد الداه ولد اعبيدي.
وأعربت المصادر الموريتانية، التي تحدثت لـ "قدس برس"، عن خشيتها من أن فتح الباب السياسي والإعلامي لمعارضي النظام الموريتاني في أوروبا، ونشاط سفيري فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في نواكشوط، يبعث برسالة سلبية، أخذا بعين الاعتبار التقرير الذي أعده "مركز انتربرايز" الأمريكي في تشرين أول (أكتوبر) الماضي، والذي تحدث عن موجة الربيع العربي الثانية وضع موريتانيا على رأسها.
وفي داخل موريتانيا، أعلن "منتدى الديمقراطية والوحدة" وحزب تكتل القوى الديمقراطية"، رسميا مقاطعتهم لتوجه الحكومة إلى الاستفتاء حول مخرجات الحوار الوطني.
وأعلن "المنتدى" و"التكتل" في بيان مشترك، أول أمس الثلاثاء، أن "التعديلات الدستورية المقترحة ليست مخرجات حوار وطني حقيقي لأنها تقتصر على الاقتراحات التي أعلن عنها ولد عبد العزيز في النعمة وتلك التي أضافها حزبه أثناء حوار أحادي، أصر النظام على إجرائه "بمن حضر" في أجواء كرنفالية لا تمتُّ بأي صلة للنقاش السياسي البنّاء".
وأشار البيان إلى أن "هذه التعديلات لا تكتسي أي طابع استعجالي ولا تحمل أي حل للمشاكل العميقة التي تعاني منها البلاد وخاصة الأزمة السياسية المتمثلة في عدم حياد الدولة واختطافها لصالح النظام ضد الفرقاء السياسيين الآخرين. كما أنها لا تقدم أي حل للقضايا المجتمعية المُلحة مثل العبودية ومخلفاتها والوحدة الوطنية ومتطلباتها بدءا بتصفية الإرث الإنساني، وتسكت على سوء الحكامة المتمثل في استشراء الفساد والنهب والرشوة وانهيار الادارة".
واعتبر البيان، أن "تغيير العلم وتمجيد المقاومة مناورة ديماغوجية جديدة يحاول النظام ركوبها بعد أن أفلس شعار مكافحة الفساد، وتبين للجميع مدى فساد هذا النظام".
وحذّرت المعارضة، مما وصفته بـ "النهج الكارثي لولد عبد العزيز"، الذي قالت بأنه "فجّر كل النعرات داخل هذا الشعب، وأصبح المجتمع الموريتاني يعاني أكثر من أي وقت مضى العديد من التناقضات الحادة، العرقية والشرائحية والجهوية والقبلية، التي تذكيها يوميا تصرفات وسياسات النظام الحالي، مما يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع في تعايشه وللبلد في كيانه".
وأكدت المعارضة أنه "لا يجوز تعديل الدستور الاّ في ظل وضع سياسي طبيعي ومن أجل حل قضايا أساسية تعوق سير المؤسسات أو تعرقل تقدم الامة؛ بينما التعديل المقترح لا يحمل سوى الخلافات ويتم في غياب تام لحياد الدولة، وفي ظل أزمة سياسية حادة، ومؤسسات دستورية بعضها مُنتهي الصلاحية وبعضها مُنتخب في ظروف غير توافقية".
وأضاف البيان: "المشكلة لا تكمن في إلغاء مؤسسة أو إضافة أخرى، بل في طريقة تسيير الدولة. ففي ظل النظام الحالي لا يوجد تحديد ولا فصل للسلطات، بل لا توجد سلطات أصلا غير تلك المتمركزة في يد رأس السلطة، يتصرف بها حسب الأهواء والنزعات في خرق سافر للنظم والقوانين.
وبالتالي لن تكون هناك فائدة لأي هيئة ما لم تستعد الدولة سيرها الطبيعي والمؤسسات وظائفها التقليدية"، وفق البيان.
هذا وكان نشطاء موريتانيون قد عقدوا أمس الاربعاء مظاهرة رافضة للتعديلات الدستورية، قبل أن تقدم الأجهزة الأمنية على اعتقال عدد منهم لبعض الوقت ثم أطلقت سراحهم.
وتعتزم الحكومة الموريتانية تنظيم استفتاء شعبي، متوقع نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل، على تعديلات دستورية وصفتها بالضرورية، لتبني بعض نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي نظمته الحكومة نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي واستمر لأسابيع، وقاطعته قوى المعارضة الرئيسية.
وكانت وثيقة الحوار السياسي، قد دعت لتغيير العلم والنشيد الوطنيين وإلغاء غرفة مجلس الشيوخ (غرفة برلمانية)، وإنشاء مجالس جهوية (إدارية) للتنمية، وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة.
كما اتفق المشاركون في الحوار، على ضرورة دمج المجلس الإسلامي الأعلى ووسيط الجمهورية في مجلس واحد تحت لواء المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، وتعزيز دولة القانون والعدالة الاجتماعية.
وترفض قوى المعارضة، دعوات سابقة، أطلقها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، بشأن ضرورة إجراء تعديل دستوري، يتيح لرئيس الجمهورية الترشح لثلاث ولايات، وهو ما يتنافي مع مقتضيات الدستور.
قدس برس