تناقلت المواقع الإخبارية الوطنية خلال الأسبوع الماضي: عودة القيادي البارز بومية ولد ابياه إلى أرض الوطن قادما من غربة طويلة دامت ما يناهز العشرين سنة في منفاه الاضطراري في دولة الكويت, التي كان يشغل فيها مستشارا لوزير الأوقاف وحظي باستقبال حار فور وصوله من طرف رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد عبد العزيز وأدلى بتصريح بعيد هذه المقابلة قال فيه: أنه وجد ما يطمأن على مصلحة البلد ومستقبله في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز وأكثر من ذالك قال: أنه وجد في الديمقراطية الموريتانية ومقارنة مع الديمقراطيات العتيدة في العالم الغربي, ما هو كفيل بالوصول بالبلاد إلى بر الأمان وحصول كل ذي حق على حقه, خصوصا في حرية التعبير, وتعدد وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية دون أدنى مضايقة أو ابتزاز..., بل ذهب إلى أبعد من ذالك حيث دعا في ختام كلمته إخوانه ومحبيه ومن تربطه بهم علاقة فكر أو قرابة, إلى دعم برنامج الرئيس محمد ولد عبد العزيز والاصطفاف وراءه خدمة للوطن وأمنه واستقراره, وتنميته وازدهاره..., معلنا في الوقت نفسه عن دعمه لهذا النهج القويم, وتشبثه به إلى أبعد الحدود!!!
ويعتبر بومية ولد ابياه هذا من أهم المرجعيات الإخوانية في موريتانيا خلال تسعينات القرن الماضي, إن لم يكن هو المرجعية الوحيدة لهم أنا ذاك, مما جعل بعض المراقبين يقرأ في عودته في هذه الفترة من تاريخ البلد المليئة بالتجاذبات والمماحكات السياسية بين أطراف المشهد السياسي في البلد!, ودعمه دون تردد أو مواربة لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز ضربة قاضية للتجمع الوطني للتنمية والإصلاح (تواصل) فعلى قراءة بعض المراقبين للشأن السياسي في البلد فمصير حزب تواصل بعد هذا الحادث الجلل! أما أن يتحول من خصم لدود لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز إلى سند وداعم له بعد كل ما كان بينهما من تنافر وتدابر!! وأما أن ينشق الحزب نصفين نصفه يدعم التوجه الجديد للقائد السابق بومية ولد ابياه في دعمه لرئيس الجمهورية,, والنصف الثاني يبقى داعما للقائد اللاحق محمد جميل ولد منصور في صموده في صفوف المنسقية!,
وبغض النظر عن هذه القراءة ومستوى صدقيتها وملامستها للواقع..., إلاّ أن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح وبمنطق البيع والشراء هذه المرة فنحن في بلد لا يوجد فيه شيء أيَّ شيء أعظم ولا أقدس من أن يباع ويشترى!! إذا السؤال هو: هل اشترى الرئيس محمد ولد عبد العزيز هذا الموقف الجديد القوي والداعم في ساعة العسرة, من د/ بومية ولد ابياه؟ وكيف ذالك وبأي ثمن يا ترى!!؟؟
أم أن الرجل بمستوى علمه وحكمته ووطنيته وتبصره..., وهو يرى ما يحدق بوطنه من مخاطر وتحديات, جعلته يغادر رغد العيش والرفاهية الباذخة على عجل!, من أجل إنقاذ وطنه بكل ما يملك ويستطيع؟؟ أم أنه وهو يرقب أحداث وطنه من بعيد, بعين فاحصة ومتأنية ومنصفة, يتراءى له كم قدم الرئيس محمد ولد عبد العزيز لوطنه في هذه المدة القصيرة من إنجازات ومنجزات..., أدهشت الجميع وفاقت العادات والتصورات,!! حتى أصبح المنكر لها كمن يطاول العمالقة بالتنبالْ!, أو كمن يحاول حجب الشمس في رابعة النهار بغربالْ!!,
ومع هذا تُواجَه هذه المنجزات من طرف المعارضة الكاشحة بكثير من النكران والتضليل! والسفسطة والسباب والعويل!!! وكأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز وجدهم في جنة عدن وأخرجهم منها بلا شفقة ولا رحمة!! حقيقة والحق يقال: أنه إذا لم يكن للرئيس محمد ولد عبد العزيز من حسنة سوى أنه قطع تلك العلاقة الظالمة والآثمة التي كانت وصمة عار في جبين الأمة جمعاء,, مع الكيان الصهيوني البغيض, وأراح منها البلاد والعباد, وطهر منها ومن رجسها ودرنها شنقيط بلاد المنارة والرباط... لكفته من كل الإنجازات وخلاه ذم..., فكيف به وهو يعيد للدولة اعتبارها وأصالتها وألقها..., وينجز في نصف مأموريته أكثر من 50% من برنامجه الانتخابي!؟ إذاً يرى بومية ولد ابياه ما يرى ويسمع ما يسمع, من قرع لطبول الثورة والفتنة والفوضى في بلاده دون أدنى سبب أو مبرر!!, فيقرر بملإ إرادته العودة وعلى عجل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه, ويقول بالفم الملآنْ وفي صحوة بال نادرة في هذا الزمان المليء بالسجالات والمهاترات المقززة والمقرفة!, وهو يدرك تماما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: [انصر أخاك ظالما أو مظلوما] والحق أحق أن يتبعْ: أنه يرى في مشروع رئيس الجمهورية السياسي والاجتماعي والاقتصادي..., ما يمكن إذا ما طبق حرفيا وبحذافيره.. وبلا مزايدات, أن يكون صمام أمان للبلاد والعباد جميعا, وسوف يجد فيه الجميع مطلبه ومبتغاه...؟؟ واليوم وقد أحرقت المنسقية آخر مركب يوصلها لأي تفاهم مع رئيس الجمهورية على الضفة الأخرى كما صرحت به في ميثاقها الأخير!, إذا لا تفاوض ولا تحاور ولا تفاهم ما لم يرحل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن السلطة حسب المنسقية ولعلهم لم يسمعوا قول الشاعر الحكيم:
وكن معدنا للخير واصفحْ عن الأذى***فإنك راء ما حييت وسامع
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا***فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت غير مباين***فإنك لا تدري متى أنت راجع
إذا المنسقية أخرجت آخر سهم في كنانتها وأطلقته على أي صيغة للتفاهم مهما كان صاحب المبادرة سواء كان حزبيا أو مستقلا الأبواب إلى المنسقية موصدة حتى رحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن السلطة!!, ولكنها مع هذا استنفدتْ جميع العناوين الموحية بالشدة والصرامة خلال مسيراتها الماضية, فمن مسيرة التحدي إلى مسيرة الرحيل, إلى مهرجان الحشد الكبير ووو..., والحبل على الجرار..., ومع هذا لم يتغير شيء على أرض الواقع!!!, فالرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يرحل!, والشعب فيما يبدو لم يتلقف مسيراتهم المبشرة والمنذرة في آن واحد! بالمسرة والترحاب!!, وباتوا وكأنهم يدورون في حلقة مفرغة! وما حالهم وحال الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلا كما قال الشاعر الماضي:
[زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا***أبشرْ بطول سلامة يا مربع]
أو كقول الشاعر الآخر:
(كناطح صخرة يوما ليوهنها***فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل)
أما كان من الأجدر بهم أن يشاركوا الجميع أغلبية ومعارضة في حوار وطني جامع ومانع وقد دعوا له دونما سقف أو محاذير... ويدلوا بدلوهم فيه ويقترحوا ويستمعوا ويعطوا ويأخذوا ويفيدوا ويستفيدوا.. من أجل المصلحة العليا للبلد وكما في المثل الشهير (إذا تزاحمت العقول خرج الصواب)!؟؟ وأن يترجموا مسيراتهم ورآهم في برامج ناصعة ومقبولة بل وشيقة وجذابة..., من أجل مصلحة الوطن والمواطن!؟ أما كان من الأحرى بهم بدل التأزيم والتوتير أن يعملوا مع الجميع من أجل إجراء انتخابات شفافة ونزيهة تعطي لكل ذي حق حقه دون إقصاء ولا تهميش؟؟ واليوم وقد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من إجراء انتخابات تشريعية وبلدية طال انتظارها,, فعلى الجميع سواء كانوا أغلبية أو معارضة التحضير لها بكل مسؤولية وتجرد.., وعليهم أن يعلموا الآن وأكثر من أي وقت مضى أن الشعب الموريتاني لم يعد بذالك الشعب الخامل المدجن السلس القياد في جميع السبل والمطبات.., بل أصبح واعيا بما فيه الكفاية لرعاية همومه ومصالحه.., ولم يعد تنطلي عليه الألاعيب والخزعبلات القديمة الممضة والمقيتة..!, لم يعد ينخدع بالخطب الرنانة.., ولا تستبيه القوافي الطنانة.., إذا الانتخابات قادمة وصناديق الاقتراع هي الحكم الوحيد, (وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان)....!, تصبحون وقد حكمتم ضمائركم من أجل مصلحة البلاد والعباد.... والله ولي التوفيق, وهو الهادي إلى سواء الطريق.... والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.