لم أرض لنفسي يوما من الأيام أن أكون من المدافعين والمنافحين عن الرؤساء المستبدين يٌطَبِلون لهم ويُزمِرون، ولا يستطيع أحد كائنا من كائن أن يثبت علي عكس ذلك أو يتهمني بتهمة من هذا القبيل، لكنني وجدت نفسي في هذه الأيام مضطرا إلى كلمة إنصاف في حق رئيس طالما وجهت إليه سهامي وأسَلْتُ في عيبه أقلامي، وأسْهَبْتٌ في مثالبه كلامي، ورشقته بأشنع العبارات وقذفته بأسوأ الاتهامات، وقد ملأت صحفي وسودت دفاتري من نقده وكشف زلاته وتصيد زلقاته، ورفعت بذلك صوتي حتى بحت حنجرتي وانتفخت أوداجي، في وقت كان أغلب الكتاب في صمت وترقب.
فمنذ أن وصل الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى سدة الحكم سواء قبل الانقلاب أو بعده، وأنا معارض لسياساته التي ظهرت فيها هفواته بشكل جلي عند أول وهلة مارس فيها صلاحياته الرئاسية، حيث كشفت عن عيوب قاتلة تتمثل في التهور السياسي والارتجالية في القرارات، والمزاجية في التوجه، هذا بالإضافة إلى التخبط في السياسة الخارجية العرجاء، وتصفية الحسابات مع الخصوم تحت ذرائع مختلفة، واستعانته بالمفسدين على محاربة الفساد، وهي نكتة ليست طريفة ولغز لا يحتاج إلى حل. أما وإنه قد ضيق عليه الخناق واشتد به الوثاق وضاقت عليه الأرض بما رحبت بعد أن فضحت المعارضة أخلاقه وكشفت مخططاته وأرْمَضَت التراب من تحت أقدامه وسخنت الهواء على أنفاسه، ودعته إلى الرحيل في تصعيد منقطع النظير.
فقد حملتني الرحمة ولين الجانب على الشفقة به امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ارحموا عزيز قوم ذل" ذلك أن مذلة الرؤساء لا تقتصر على إهانتهم ماديا وجسديا فحسب، بقدر ما تكون أقسى وأشد حين تكشف سوءاتهم وتلاحقهم الفضائح الأخلاقية والتهم الجنائية، كما هو حال رئيسنا العزيز! الذي أصبح يعاني من إضرابات نفسية وينتابه الهوس والهذيان بعد أن سقطت أقنعته وبانت عورته. ومن هذا المنطلق أوجه دعوة عاجلة إلى منسقية المعارضة عنوانها: أشفقوا بالرئيس حتى يكمل مأموريته الرئاسية، وبعدها تفعلون ما تشاءون مما يحلو لكم من نضال سياسي تقطعون عليه به الطريق كي لا يتسنى له الترشح مرة أخرى، لا هو، ولا من يسانده من الأغلبية الحاكمة التي ساست البلد منذ نصف قرن من الزمن حتى أدخلته في عنق زجاجة لم يخرج منها بعد، مع العلم أن تلبية هذه الدعوة تفرضها الظروف الحالية وتدعوا إليها الأعراف الديمقراطية وليست بالغريبة عن منطق السياسة الحكيمة والآراء السليمة والعقول الحصيفة، خاصة وأن البلد تعصف به الزوابع السياسية والقلاقل الأمنية وهو يحتاج إلى تكاتف جهود أبنائه المخلصين لإخراجه من أزماته الحالية، ويخطئ من يظن أن بإمكان حزب سياسي منفرد أن يوصل البلاد إلى بر الأمان.
وليعلم القادة السياسيين الطامحين إلى دخول القصر الرمادي والتربع على كرسي الرئاسة أن القصر مفروش بالورود لكن الطريق إليه محفوف بالمخاطر ومن طلب الحسناء لم يغله المهر، وأن إسقاط الأنظمة أمر هين لكن بناء الدول دونه خرط القتاد ولمس الثريا، والجاهل من يتمنى حكم البلاد في الفترة القادمة حيث الملفات الشائكة تنتظر والمطالب الشعبية تكثر والمعارضون من الأغلبية السابقة يتربصون به الدوائر.