إن أي حديث عن إصلاح التعليم دون الأخذ بعين الإعتبار إصلاح ظروف المعلم الذي هوحجر الزاوية والعنصرالرئيسي في العملية التعليمية ، وإعطائه حقوقه كاملة ، والقضاء على ما يعانيه من حرمان وتهميش ، ليظل حديثا فارغا ومحاولة فاشلة لتجاهلها جوهر المشكل ولن تؤتي إلا مزيدا من الفشل والتدهور والفساد. يضيق عن ذكر فيض المعاناة والمشاكل التي يعانيها المعلم والتي لاتكاد تحصر ، إلا أنني سأحاول لفت الإنتباه إلى نقطة واحدة منها يغفل عنها الكثيرون وتتجاهلها الحكومات بالرغم مما يتجلى فيها من مظاهر عدم الإنصاف والظلم والتهميش إن منتسب قطاع التعليم الأساسي ليجد نفسه محاصرا داخل حظيرة محكمة الإغلاق، بل يحق لنا أن نصفه بسجن مدى الحياة داخل نظام الوظيفة العمومية لاتمكنه مغادرته إلا متسللا فارا، متلمسا ملجأ في الخارج أو في التجارة أو الحزب لتأمين قوت يومه ، أو حتى مفضلا العودة إلى الطاولة أو المدرج لمواصلة الدراسة وتحصيل العلم حيث تعذر تحصيل القوت وبالرغم من أن مئات المعلمين حرموا على مدى عقدين من الزمن على الأقل من حقهم في الترقية التلقائية لدى حصولهم على شهادات أعلى من شهادة الإكتتاب وهو الحق الذي نص عليه قانون الوظيفة العمومية الذي لم يكن إلا مجرد حبر على ورق ، إلا أن الأمر لم يقتصر على ذلك فقد عمدت الوزارة المعنية على فترات الأنظمة المتعاقبة إلى تكريس هذا الحرمان وذلك التهميش – خاصة في الاعوام الأخيرة – من خلال غلق مجال. المسابقات الداخلية التي تسمح للمعلم بالترقية إلى قطاع التعليم الثانوي عن طريق مقاعد محدودة جدا في مسابقات دخول المدرسة العليا للتعليم تاركة كل تلك المقاعد للمسابقة الخارجية ليظل المعلم قابعا في زنزانات المدارس الإبتدائية في الأرياف وآدواب والمناطق المعزولة الخالية من أية مقومات للحياة الكريمة التي يتحدث عنها القادة . وهو يرى في كل عام دراسي جديد أفواجا جديدة من تلاميذه يتخرجون لشغل وظائف أهم وأسمى منع هو منها وحرم رغم استحقاقه لها قانونا وكفاءة وهو مايولد لديه الإحباط والشعور بالغبن والتهميش فلاشك سوف ينعكس ذلك سلبا على أدائه في عمله إن بقي له صبر على هذا الحال.
غير أن أكثر مايدعو للقلق والإستياء هو أن النظام الحالي الذي يرفع شعار الإصلاح وإنصاف المظلومين والمهمشين والتغيير البناء لم يغير في المسألة إلا في نفس الإتجاه ليزيد الطين بلة ويعمق الجراح ويفاقم المشاكل ويضاعف المعاناة فبعد أن أغلقت الأنظمة الماضية كل أبواب أمل الترقية أمام المعلمين ، جاء النظام الجديد ليس ليفتحها أو بعضها، بل ليسد المنفذ الوحيد الضئيل المتبقي والذي كان مئات المعلمين ينتظرونه بتلهف منذ سنتين وهو إكتتاب مفتشي التعليم الأساسي المساعدين على قلة ما كان يفتح من فرص الترقية إلى غير بعيد . ليبقى المعلم محبطا خائبا لم يحصل من أمله الجديد إلا على أوراق جهزها وملفات كملها لكن لامجال ليدفع إلا إذاكان في حقيبته ، إذ لامجال لخروجه من حظيرته أسفل نظام ترتيب الوظيفة العمومية إلا الخروج انفصالا أو فصلا أو استقالة إن هذه الصورة وغيرها من صور الواقع المر الذي يعانيه المعلم هي السبب الأساسي في التسرب والإهمال وفساد التعليم ، ولن يكون ثمة إصلاح للتعليم قبل تحسين ظروف المعلم وإرضائه وعليه فإننا معشر المعلمين طلبا لإنصافنا ، ورغبة في إصلاح هذا القطاع الحساس الذي لن يصلح شيئ قبل صلاحه نطالب : - بحقنا في الترقية وتحسين الظروف المادية والمعنوية وتنظيم ومراجعة الأسلاك الوظيفية ونطالب بإعطائنا الأولوية في مسابقات إكتتاب أساتذة التعليم الثانوي.