مناسبة الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الجنائية بولاية نواكشوط الغربية يوم 18أغشت 2016 في الملف رقم النيابة 0558/2016 المعروف "بملف أحداث الشغب في لكصر "،أصدرت بعض الجهات مواقف عبرت فيها عن ما وصفته ب "الانشغال"إزاء تلك الأحكام بسبب ما سمته انتهاكات في إجراءات المحاكمة . والنيابة العامة إذ تستحضر قصور تلك الأحكام عن طلباتها المقدمة إلى المحكمة والمستندة إلى خطورة الوقائع وصريح نصوص القانون الجنائي، يهمها أن توضح لتلك الجهات وللرأي العام الوطني والدولي ما يلي:
1ـ أن المحاكمات التي تتم أمام المحاكم الجزائية الموريتانية عموما، وهذه المحاكمة بصورة خاصة، تراعي دائما متطلبات المحاكمة العادلة والشفافة طبقا للقانون الموريتاني وللاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف موريتانيا.
وفي هذا الإطار مَثُل المتهمون الثلاثة والعشرون أمام المحكمة مؤازرين بلفيف من المحامين المختارين من طرفهم.فقدموا أمامها بكل حرية جميع الدفوع الشكلية التي لاحظوها.وتعاملت معها المحكمة دون أي عرقلة، بل بتساهل كبير، وردت عليها بما تراه صوابا متصدية لها على الكراسي رغم الاعتراضات المبررة للنيابة العامة.
ومع بداية استعراض النيابة العامة لأدلتها المستفيضة دعما لملتمساتها اتبع الدفاع أسلوب التلكؤ و المماطلة المتمثل في عدة سيناريوهات كان من بينها:
"الانسحاب الصاخب؛
"النقد اللاذع للنيابة العامة رفضا لحقها المطلق في تقديم أدلتها، وإرباك رئيس وأعضاء المحكمة.
وكان هذا هو الجو الذي قدر فيه الدفاع أن موقفه يمكن تأسيسه على المادة 278 من قانون الإجراءات الجنائية،وهي التي تحظر على الحضور استخدام أجهزة التسجيل والتصوير داخل قاعات المحاكم.
ومن المفيد بالنسبة للجهات التي تعبر عن مواقفها هنا وهناك أن تفهم أن النيابة العامة يحق لها بوصفها طرفا في المحاكمة العادلة أن تقدم وتستغل كل وسائل الإثبات ـ المبدأ الذي كرسته المادة 386 من قانون الإجراءات الجنائية ـ وخاصة تلك الموجودة على وسائط ألكترونية أو سمعية بصرية.وأن هذا لا يشكل بحال من الأحوال خرقا للتشريع الجنائي، ولا لحقوق الدفاع.
فاستخدام هذه الوسائط لا يمت بصلة إلى استخدام أجهزة التسجيل والتصوير الرامية إلى التسجيل أو التصوير أثناء سير المحاكمة، والدفاع يعلم ذلك تمام العلم.
ولا تجد النيابة العامة من تفسير لانسحاب المحامين بعد تقديم الدفوع الشكلية سوى عجزهم عن الرد على أدلتها، ولجوئهم وعيا منهم لذلك، إلى هذا السلوك الذي لا يستند على أي أساس قانوني، ولا تقره أخلاقيات المهنة.
ولمواجهة هذا الموقف المفاجئ وطبقا للمادة 257 من قانون الإجراءات الجنائية قامت المحكمة تلقائيا بتعيين مجموعة جديدة من المحامين للدفاع عن المتهمين، وذلك بعدما أحاطتهم علما بحقهم في اختيار دفاع آخر وعلقت جلستها لأربع وعشرين ساعة في انتظار ذلك.
2 ـ و بالنسبة للمصداقية التي تمنحها بغير حق ولا تفويض تلك الجهات التي عبرت عن آرائها في حكم ابتدائي في مسطرة قضائية جارية، فمن الأهمية بمكان التنبيه إلى أن ذلك لا يعدو كونه تكرارا لمزاعم أثارها الدفاع ولا أساس لها من الصحة، وإن كان ذلك لم يمنع المحكمة تمشيا منها مع مقتضيات المحاكمة العادلة، أن ترفض تلك المزاعم بقرار تمهيدي متيحة للمتهمين أن يطرحوها مجددا على محكمة الاستئناف عند قيامهم بطلب الاستئناف في الأصل.
وتؤكد النيابة العامة للرأي العام الوطني والدولي التزامها بصورة مطلقة بجميع القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها موريتانيا، وخاصة تلك المناهضة للتعذيب، وتنفي كل المزاعم المتعلقة بممارسة أفعال توصف بالتعذيب في مخافر الضبطية القضائية التابعة لها.
3 ـ أن الأحداث التي وقعت يوم 29 يونيو 2016 في لكصر وعلى إثرها تمت متابعة المعنيين في الملف، لم تكن تتعلق إطلاقا بقضايا تدخل في مجال حقوق الإنسان ولا مكافحة الاسترقاق التي يدعي بعضهم الانتظام دفاعا عنها، بل كانت تتعلق بتنفيذ اتفاق بين ملاك أراض خصوصية ومحتليها بشكل غير مشروع. وقد سهلت الإدارة هذا الاتفاق بمنح 429 قطعة أرضية مجانا للمحتلين،وتم الاتفاق على ترحيلهم إليها اعتبارا من يوم 29 يونيو 2016،قبل أن يتدخل المتهمون ـ غير المعنيين أصلا ـ بالتجمهر ومنع القوة العمومية بالقوة من القيام بواجبها، والاعتداءالمادي على أفرادها بأشكال مختلفة، مما خلف عددا من الإصابات والجروح الخطيرة لهم أثناء ممارسة أعمالهم، وإتلاف ممتلكات عمومية.
فلا يجوز بحال الخلط بين أفعال جنائية صرفة، تقوم عليها الأدلة الواضحة الملموسة، وبين سلوك حقوقي شريف.
والواقع أن ضلوع هؤلاء المتهمين في قضايا جنائية كهذه يثبت بعدهم الكلي عن النضال الحقوقي المتوازن والشريف الذي يعرف به المناضلون الحقوقيون.
هذا وتسترعي النيابة العامة انتباه الجميع إلى أن القضاء الموريتاني سلطة مستقلة وسيادية يرجع إليها دون غيرها تقييم الأدلة المقدمة أمامها ضد كل متهم، وأن أحكامها في هذا المجال واجبة الاحترام، ولا يجوز لأي جهة مهما كانت التدخل في صلاحياتها، لتقيدها بمعايير المحاكمة العادلة والشفافة في حق كل متهم يحال إليها بقطع النظر عن التهم الموجهة إليه في جميع مستويات درجات التقاضي.
النيابة العامة".