عودتنا السلطة ووفدها المحاور أن تتصرف دائما بطريقة غريبة ومربكة للمشهد السياسي، وفي هذا الإطار يتنزل المؤتمر الصحفي الذي عقده الوزير الأمين العام للرئاسة مساء الثلاثاء بقصر المؤتمرات، والذي لاشك بأنه سيزيد من إرباك المشهد، وسيعمق من انعدام الثقة بين السلطة والمنتدى.
لم يأت هذا المؤتمر بجديد، ولقد اكتفى الوزير الأمين العام للرئاسة بتكرار نفس الأغنية المشروخة التي ظلت السلطة تكررها منذ ما يقترب من عامين، وهي الأغنية التي تقول بأن السلطة جادة وعازمة على تنظيم الحوار، ولكن هذا الاستعداد وهذه الجدية التي تتغنى بهما السلطة يغيبان دائما عندما تكون هناك حاجة ماسة لإظهارهما.
لا جديد في المؤتمر الصحفي للوزير الأمين العام للرئاسة سوى أن الأسابيع الثلاثة أو الأربعة التي حددها الرئيس كسقف أعلى لانطلاق الحوار في خطابه في مدينة النعمة قد تقلصت وانكمشت في المؤتمر الصحفي لوزيره المكلف بملف الحوار لتصبح مجرد أسبوع أو أسبوعين، ولا داعيَّ هنا لتشغيل العداد الزمني فما حدث مع أسابيع الرئيس الأربعة سيحدث مع أسبوعي وزيره المكلف بملف الحوار، ومن المحتمل أن يطل عليكم في نهاية الأسبوعين الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة كما أطل عليكم بعد اكتمال أسابيع الرئيس الأربعة، وذلك ليقول لكم بأن الحوار قد انطلق منذ عشرة أيام، أو منذ عشرة أسابيع، أو منذ عشرة أشهر، أو منذ عشر سنوات، أو منذ عشرة عقود، أو منذ عشرة قرون، فلا قيمة للزمن ولا دلالة له في خطابات الرئيس، ولا في المؤتمرات الصحفية للوزير المكلف بملف الحوار، ولا في تعليقات الناطق الرسمي باسم الحكومة.
إن المتأمل في سلوك السلطة وفي تعاملها مع ملف الحوار لابد وأنه سيلاحظ بأن هناك ثلاثة مسلكيات أصبحت ثابتة في طريقة تعاملها مع ملف الحوار:
1 ـ التأكيد لفظيا على تمسكها بالحوار وعلى سعيها الجاد لإطلاق الحوار . وفي هذه الجزئية فإن السلطة لا تترك أية فرصة يمكن استغلالها إلا واستغلتها لتأكيد ولإعادة تأكيد تمسكها اللفظي بالحوار.
2 ـ الرفض الكامل للقيام بأي تصرف أو أي فعل حتى ولو كان بسيطا من أجل إضفاء القليل من المصداقية على دعواتها المتكررة للحوار. يمكن أن نذكر هنا بأن وفد السلطة المحاور كان قد رفض إن تكون هناك أي محاضر مكتوبة لاجتماعاته بقصر المؤتمرات بوفد المنتدى وهو ما أثار حينها استغراب الكثير من المتابعين.
3 ـ الإصرار على القيام بخطوات مفاجئة ومربكة للشركاء السياسيين كلما لاح في الأفق بأن هناك احتمالا ـ حتى ولو كان ضعيفا ـ لانطلاق حوار جدي. ومن بين الخطوات المربكة يمكن أن نذكر حوار السابع من سبتمبر، وترويج الوزراء لمأمورية ثالثة، وخطاب النعمة الذي وصف المعارضة بأبشع الأوصاف، وفي الأخير المؤتمر الصحفي الذي نظمه الوزير المكلف بملف الحوار في قصر المؤتمرات مساء الثلاثاء الموافق 16 أغسطس 2016.
لقد جاء هذا المؤتمر الصحفي بعد ثلاثة أسابيع من مكالمة هاتفية كان قد أجراها الوزير الأمين العام للرئاسة مع رئيس المنتدى، وكانت هذه المكالمة الجديدة كغيرها من مكالمات الوزير المكلف بملف الحوار تهدف ـ حسب ما يقول دائما ـ إلى استئناف اللقاءات مع المنتدى من أجل تذليل الصعاب التي تحول دون إطلاق الحوار .
كان رد المنتدى إيجابيا، وذلك على الرغم من تكرر هذه المكالمات الهاتفية التي ينكشف في كل مرة بأنها لم تكن جدية، وهو الشيء الذي جعلها تتحول إلى موضوع لسخرية البعض. المهم أن المنتدى رد بشكل إيجابي، وأكد بأنه على استعداد للمشاركة في أي مشاورات غير رسمية تهدف إلى تذليل الصعاب التي تحول دون حوار. بعد ذلك الرد الإيجابي أعلنت السلطة عن طريق بعض المواقع عن وفدها المحاور وذلك في محاولة منها لإعطاء طابع رسمي لهذه المشاورات غير الرسمية، وهو الشيء رد عليه المنتدى بتكليف شخص واحد وهو رئيس حزب عادل بإجراء اتصالات غير مباشرة مع السلطة.
هذا الإجراء الذي اتخذه المنتدى كان يهدف إلى أمرين أساسيين، أولهما أن المنتدى لا يريد أن يعطي طابعا رسميا لهذه المشاورات، ولا يريد أن يجعل من تلك اللقاءات انطلاقة فعلية لحوار رسمي لم تذلل ـ حتى الآن ـ العقبات التي تحول دون انطلاقه، ولذلك فلم يبعث بوفد من ثلاثة أشخاص أو أربعة وإنما اكتفى بإرسال وفد من شخص واحد . أما ثانيهما فهو أن المنتدى لم يكن يريد أن يضيع أي فرصة يمكن أن تفضي لحوار، حتى ولو كانت تلك الفرصة ضعيفة جدا، ولذلك فقد بعث بشخصية من المعروف بأنها من أكثر المتحمسين للحوار داخل المنتدى . إن هذا الإجراء قد يفسر طريقة تعامل المنتدى مع دعوات السلطة المتكررة للحوار، فهو من جهة لا يريد أن يشارك في أي حوار عبثي وغير جدي، وهو من جهة ثانية لا يريد أن يضيع أية فرصة يمكن أن تفضي إلى حوار جدي، حتى ولو كانت مجرد مكالمة هاتفية سبقتها عشرات المكالمات الهاتفية التي لم تأت بأية نتيجة.
تم الاتصال بالوزير الأمين العام للرئاسة من طرف رئيس حزب عادل، ولكن هذا الاتصال لم يأت بأي جديد، ولم يقدم الوزير الأمين العام للرئاسة لرئيس حزب عادل أي شيء، وأقول أي شيء، ثم أكرر أي شيء، هذا إذا ما استثنينا بعض الابتسامات والكثير من الكلام الجميل الذي تعود عليه الوزير الأمين العام للرئاسة، والذي لاشك وأنكم قد سمعتم منه شيئا كثيرا في المؤتمر الصحفي الأخير.
لم يقدم الوزير الأمين العام للرئاسة في اتصالاته بممثل المنتدى أي شيء، وربما يكون السبب في ذلك بأنه لا يملك أي شيء يمكنه أن يقدمه، ولم تكن تلك هي المفاجأة الوحيدة، فقد كانت هناك مفاجأة ثانية تمثلت في تنظيم مؤتمر صحفي مفاجئ، أعطى فيه الوزير المكلف بملف الحوار مهلة لا تزيد على أسبوعين لانطلاق الحوار.
لقد تمنيتُ ـ وأنا لا أخفيكم بأني من المتحمسين جدا للحوار ـ أن أجد في المؤتمر الصحفي للوزير الأمين العام للرئاسة ما يمكن أن يعد بمثابة إشارة على جدية السلطة في الحوار، ولكني للأسف لم أجد شيئا، أي شيء، ولو أني وجدت في هذا المؤتمر مثقال ذرة من الجدية لروجت له، ولجعلت منه جبلا شاهقا أو سلسلة من الجبال.
لقد كنت متشائما من قبل هذا المؤتمر، ولقد ازددت تشاؤما من بعده، ولستُ وحدي في ذلك، فهذا الشعور أتقاسمه مع قادة المنتدى الأكثر تحمسا للحوار، أما أولئك الأقل تحمسا فقد خرجوا من هذا المؤتمر بدليل إضافي يؤكد بأن عدم تحمسهم لدعوات السلطة كان في محله. حفظ الله موريتانيا..