تعيش الدبلوماسية الموريتانية، خلال السنوات الأخيرة، أزمات خانقة انعكست على أدائها للرسالة المرجوة منها، حيث أصبح البلد يعيش عزلة داخل محيطه الإقليمي والعربي والدولي. وبالنظر لما يقوله الخبراء الدبلوماسيون، فإن الأزمة متعددة الأبعاد، غير أنها تتجلى في ثلاث نقاط رئيسية،
وضعت القائمين على الميدان في زاوية لا يمكن التنبؤ بخروجهم منها في المستقبل المنظور. أول تلك الأزمات تتمثل في غياب رؤية واضحة المعالم يمكن أن يستوعبها ممثلو الخارجية الموريتانية ويضعوها نصب أعينهم في تعاملهم مع مجتمع دولي متقلب المزاج ومتضارب المصالح.. ليجد الدبلوماسي الموريتاني نفسه في حالة انزواء خوفا من أن يحسب عليه نظامه أية خطوة يقدم عليها بحسن نية، ويمكن أن تضع مستقبله المهني في دائرة الخطر.
فموريتانيا هي الدولة الوحيدة عبر العالم التي لا تنظم ملتقى سنويا لدبلوماسييها للتعارف والتنسيق والاطلاع على موقف الدولة والنظام مما يدور في العالم من قضايا تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلد.
وتأتي العقبة الثانية، والمتمثلة في غياب الإمكانيات المادية لبعثاتنا الدبلوماسية في الخارج، لتزيد من تحجيم الانعكاسات السلبية على الدور المنوط بها، فتراهم يخجلون حتى من تلبية دعوات نظرائهم أو النشاطات المقام بها في الدول التي يقيمون بها، خوفا من حرج الرد بالمثل.
وتبلغ المأساة ذروتها إذا علمنا أن بعض دبلوماسيينا في الخارج، يودعون جواز سفرهم لدى محلات البيع للتزود بحاجياتهم الضرورية التي كان على دولتهم أن تراعيها وتضع لها الحسبان، وبالنتيجة يعيش معظمهم وحيدا دون العائلة التي تركها في أرض الوطن لعجزه عن توفير أسباب عيشها الكريم في الخارج، وفي إحدى الدول يتعاون ثلاثة دبلوماسيين من أجل تأمين مسكن يؤويهم بأقل ثمن.
الحالة الاقتصادية المزرية دفعت، برأي الكثيرين، بعض الكفاءات الدبلوماسية إلى اعتزال مجال اختصاصه والبحث عن مصادر بديلة، بل إنها أدت ببعضهم إلى الانتحار، كما فعل دبلوماسي بسفارة موريتانيا في الكويت، أو ركوب المخاطر من أجل الحصول على خدمات أرخص، مثل زوجة الدبلوماسي التي فضلت التسوق في سوق شعبي ببروكسيل، فدفعت حياتها ثمنا للتحايل على مداخيل زوجها الدبلوماسي. أما الأزمة الثالثة، التي عصفت بالدبلوماسية الموريتانية وافقدتها حيزا كبيرا من مصداقيتها لدى الرأي العام الدولي، فهي تلك المترتبة عن فشلها في كل الوساطات التي قادتها موريتانيا، والتي نذكر منها على سبيل المثال أزمتي ساحل العاج وليبيا.
وعمدت وزارة الخارجية مؤخرا إلى ابتكار أساليب جديدة بررتها بخفض مصاريف البعثات الدبلوماسية، غير أن كل من تمت إقالتهم أو إعادتهم إلى البلد، استبدلوا بأضعافهم ممن توافدوا على الحقل الدبلوماسي وهم عليه غرباء، فأصبح التعيين في السفارات خاضعا لمعايير زبونية لا تراعي غير فتح المجال أمام أشخاص يمارسون التجارة باسم الدبلوماسية، وهو ما أثار موجة امتعاض واسعة في صفوف الدبلوماسيين المختصين.
وشهدت بعثات موريتانيا الدبلوماسية في الخارج انحسارا كبيرا، حيث اغلقت قنصليات عديدة، في حين تغاضت الوزارة عن فتح سفارات أو قنصليات في دول تحوي جاليات معتبرة، ويتعرض بعضها لمضايقات تصل أحيانا حد القتل وسلب الممتلكات.
كما أن المرأة، التي تمثل أكثر من نصف المجتمع، والتي طالما تبجح النظام بالاهتمام بها، فقد شهد حضورها في الحقل الدبلوماسي تراجعا كبيرا، سواء على مستوى السفيرات، أو المستشارات، أو حتى العاملات البسيطات.
فمتى سيدرك النظام أن وجهه الخارجي بدأت تظهر عليه تجاعيد الفساد، وآلام مفاصل المصالح الخاصة، وترهل التعيينات العشوائية.. وأن العالم بدا يشيح بوجهه عن ذلك الوجه الشاحب، الذي بدأت فكرة استبداله أو تعرضه لعملية تجميل حقيقية تطرح نفسها بإلحاح.
السفير