لم يعد بالإمكان تجاهل حرب الشوارع التي تحدث يوميا على شوارعنا وعلى طرقنا الرئيسية والفرعية، ولم يعد بالإمكان مواصلة التفرج على هذه الأرواح البريئة التي تحصدها حوادث السير في مختلف الشوارع والطرق، وخاصة منها تلك التي يحصدها أهم طريق في البلاد، وهو الطريق الذي تحول من طريق للأمل إلى طريق سريع للموت، ومن طريق يربط بين العاصمة وعدد كبير من ولايات الوطن إلى طريق يربط بين الدنيا والآخرة.
لم يعد بالإمكان أن نواصل التفرج..
لم يعد بالإمكان أن نواصل عدم الاكتراث..
لم يعد بالإمكان أن نواصل لا مبالاتنا المعهودة، أمام هذه المجازر التي تحدث يوميا على شوارعنا وعلى طرقنا، والتي لم تسلم منها أي أسرة موريتانية، فمن الصعب أن نجد اليوم أي أسرة موريتانية إلا ولها ذكريات أليمة مع حوادث السير.
للرئيس وللسيدة الأولى ذكريات أليمة مع طريق الأمل أو الطريق السريع للموت.
لبعض الوزراء ذكريات أليمة مع هذا الطريق..
لبعض رجال الأعمال ذكريات أليمة مع هذا الطريق..
ولآلاف الأسر العادية ذكريات أليمة مع هذا الطريق ..
وفي السنوات الأخيرة أصبحنا نسمع عن أسر بكاملها ترحل عن دنيانا الفانية في حادث سير، ومع ذلك فلا أحد يهتم، لا أحد يكترث، لا أحد يبذل أي جهد ليجعل من هذه الحوادث التي تحصد سنويا مئات الأرواح قضية رأي عام، خاصة وأنها قد أصبحت ـ حسب المشاهدات وفي ظل غياب إحصاءات دقيقة ـ تشكل السبب الأول للوفاة في هذه البلاد.
إن هناك جهات عديدة تتحمل المسؤولية فيما يحصل من مجازر ومن حرب شوارع على طرقنا وعلى شوارعنا، وهذه الجهات هي :
1 ـ السلطة الحاكمة : وهذه تتحمل المسؤولية الأكبر، تتحملها لأنها تركت طرقا حيوية في وضع مزري وانشغلت بتشييد وتزيين طرق أخرى أقل أهمية..فبأي منطق تترك السلطة مقطع (نواكشوط ـ بوتلميت) في هذا الحال المزري مع العلم بأن هذا المقطع تمر به كل السيارات المتجهة إلى لبراكنة وكيدي ماغا وكوركول وتكانت ولعصابة والحوضين ومالي؟
المستفز في الأمر أن ردم هذه الحفر التي تصر السلطة على تركها على حالها لا يكلف إلا القليل جدا من المال. فمن المعلوم بأن ردم حفرة على طريق معبد لا يكلف إلا صب كمية من الإسفلت بدرجة حرارة معينة في مكان الحفرة، أما الأمور الأخرى من تسوية الأرضية فلا يحتاج إليها، وذلك لأنه قد قيم بها عند تشييد الطريق في أول مرة. ومن المعلوم أيضا بأن الدولة تملك شركتين تنتجان الإسفلت في مصانعهما وهما: (ENER) و (ATTM) .
فلماذا تتقاعس السلطة عن ردم الحفر وتآكل الحواشي في هذا المقطع الحيوي من طريق الأمل، عفوا من الطريق السريع إلى الموت؟
شيء آخر يمكن أن أضيفه ـ وبكل اطمئنان ـ في هذه الجزئية، وهو أن هناك طريقة أخرى في منتهى السهولة يمكن اعتمادها لردم هذه الحفر، ولا تحتاج هذه الطريقة إلى إسفلت. والحفر التي تردم بهذه الطريقة تبقى متماسكة ـ بإذن الله ـ
لعدة سنوات (هذا قول أهل الاختصاص وليس قولي)، فلماذا لا تعتمد السلطة على هذا الحل العملي من قبل أن تبدأ في تشييد الطريق السريع الذي وعدت به، والذي قد لا تبدأ في تشييده في المدى القريب؟
والسلطة مسؤولة عن هذه المجازر وذلك لأنها لم تفعل نقاط التفتيش، فهذه النقاط ينشغل الكثير منها بأمور لا علاقة لها بالسلامة المرورية، وإنما لها علاقة بجمع وتحصيل المال. والسلطة مسؤولة لأنها تمنح رخص السياقة بطرق فوضوية، وهي مسؤولة لأنها لا تعاقب من أخطأ من السائقين بعقوبات رادعة، وهي مسؤولة لأنها لم تضع إشارات المرور في أمكنتها المناسبة، وهي مسؤولة لأنها لم توفر سيارات إسعاف ولا مراكز صحية ولا طواقم طبية في المكان وفي التوقيت المناسبين، وهي مسؤولة لأنها لم تشغل إعلامها الرسمي المنشغل بتوافه الأمور بالتوعية ضد حوادث السير، فلا برامج ، ولا إعلانات، ولا إرشادات في هذا المجال..
2 ـ السائق: يتحمل السائق مسؤولية كبيرة في هذه المجازر، فكثير من الحوادث يأتي نتيجة لأخطاء بشرية، ففي بعض الأحيان يكون الطريق جيد ومع ذلك يتم تسجيل حوادث غبية وقاتلة. هناك حوادث تحدث على طرق جيدة في تفرق زينة مثلا يتحمل فيها السائق المسؤولية الكاملة.
3 ـ المواطن : يتحمل المواطن جزءا من المسؤولية، والمواطن تعني هنا المواطن العادي، وكذلك السياسي، والمثقف، وكل من يصنف بأنه من النخبة أو من صناع الرأي.
إن تجاهل المواطن لما يحدث من مجازر على طرقنا وعلى شوارعنا، وعدم اكتراثه بهذا الأمر قد جعله أيضا يتحمل جزءا من المسؤولية.
وبما أن الصمت عن مجازر الطرق لم يعد ممكنا، فقد قررت مجموعة من الموريتانيين أن تطلق حملة في فصل الخريف تحت شعار"معا للحد من حوادث السير"، وقد انطلقت أنشطة هذه الحملة منذ السابغ من أغسطس بردم رمزي لبعض الحفر، وبتوزيع بعض القصاصات على السائقين، وستشهد الأيام القادمة ـ بإذن الله ـ المزيد من الأنشطة في هذا المجال.
الحملة بحاجة إلى مشاركة الجميع فلا تبخلوا عليها بمشاركتكم.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل