يعتبر الكثير من المتابعين للشأن الإداري العمومي أن "التسويف الإداري" الذي يمكن تعريفه بأنه "مَطْلُ و تأجيل و تعطيل الحقوق الإدارية للمراجعين و مستخدمي المرفق العام" هو "الرياضة المفضلة" للإداريين الموريتانيين آَيَةُ ذلك أن العبارة الأكثر ورودا علي ألسنة المسؤولين الإداريين كلما راجعهم مراجعٌ هي "سوف نري ذلك لاحقا أو غدا" مع اليقين أن غد الإدارة الموريتانية لناظره قَصِيٌ،بعيدٌ غير قريب.!!
و لعل أبشع مظاهر التسويف الإداري ترددُ المراجعين من المواطنين "العاديين"(تمييزا لهم عن غيرهم من "المواطنين كاملي الاعتبار و فوق العادة") علي مكاتب المصالح الإدارية الخدمية أسابيع و أشهرا طلبا لتوقيع أو تأشرة أحد المسؤولين الإداريين فلا يجدون غالبا إلا مواعدَ مُنْسَأَةً و كلمات مسجلة في ذاكرة بواب قَمْطَرِيرٍ من قبيل : المسؤول المعني في اجتماع أو في سفر أو في عَجَلَةٍ من أمره أو مستدعي من طرف رؤسائه،...!!
و يجمع أغلب الموريتانيين علي أن سَوَادَ المصالح الإدارية الخدمية شبه مغلق أمام المواطنين( من ذوي الاحتياجات الحقوقية الخاصة) الذين قد يكونون أَضْعَفُ لَحْنًا بحجتهم حيث لا يجدون من موظفي الإدارة من يتسع صدره ليفهم مقصدهم و يَعِيً شَكَاتَهُمْ فتراهم يترددون الأشهر تلو الأشهر مَدْفُوعِينَ بالأبواب؛ أحسنُ أيامهم هو اليوم الذي يعودون منه إلي أهليهم بوعد عُرْقُوبِيٍ " غير مسؤول".
و من المتواتر عليه أن العديد من شركاء التنمية و المانحين لبلادنا تعودوا أن بعض المرافق الإدارية الموريتانية لا تَعْبَأُ بالرد علي المراسلات الإدارية إلا ما داموا عليها قِيًامًا مُذكرين و مُطالبين و لاجئين أحيانا إلي لقاء المسؤول السياسي أو الإداري الأرفع -وزيرا كان أو من يعادله- من أجل "انتزاع" جواب علي رسالة إدارية روتينية لا تتجاوز في المتوسط فقرتين مكونتين من أربعة إلي ستة أسطر.!!
و يُتداول علي نطاق عريض في الكواليس الدبلوماسية أن الشركاء التنمويين يتناجون بالحسرة و الاستغراب من التسويف الإداري الذي تُقابل به بعض المرافق الإدارية الموريتانية بعض عروضهم بالتمويل المجاني أو "القروض الحسنة" التي رغم حاجة البلد الماسة لها فإنها تضل و تسقط غالبا في غَيَابَاتِ جِبَابِ التسويف و التأجيل فيكون مُسْتَقَرُهَا ومُسْتَوْدَعهَا "سَلًةِ اللامُبالاة و المهملات"...!!
كما أنه ليس سرا أن من المستثمرين الأجانب من تراجع عن نية الاستثمار بالبلد لَمًا صدمه "التعامل البروقراطي البارد" و التسويف الإداري الذي حظيت به المراسلات الإدارية التمهيدية و أن مستثمرين آخرين تنازلوا عن شركاتهم و استثماراتهم ببلادنا لأول "مشتري " ،و لو كان فيها من الزاهدين، بسبب ما تجرعوا من مرارات المراجعة و المتابعة و اللًهَثِ وراء الإداريين الموريتانيين من أجل إنجاز أبسط الخدمات و الحصول علي بَدَاهِيِ الحقوق الإدارية.
و سبيلا إلي محاربة التسويف الإداري الذي هو مخ البيروقراطية ففي اعتقادي أن الوزارة المكلفة بعصرنة و إصلاح الإدارة العمومية مطالبة علي وجه الاستعجال بأن تعهد إلي مكتب خبرة مختلط( مكون من استشاريين دوليين و وطنيين) بإعداد دراسة معمقة حول الأسباب النفسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية،... لتَغَوُلِ عادة التسويف الإداري ببلادنا و اقتراح الحلول الناجعة لمحاربته و استئصاله.