تقومُ السلطات الموريتانية ،رفقة شركائها في مجال الصحة منذ العام 2005، بجهود حثيثة للقضاء على مرض النواسير الولادية ،المنتشر بكثرة في الأرياف والقرى، خاصة في محافظات لعصابة ولبراكنة وغورغل والحوضين.
ومنذُ ذلك التاريخ ،أطلقت وزارة الصحة الموريتانية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية،عشرات الحملات التحسيسية للتعريف بمخاطر المرض والتكفل بضحاياه ،المقدرات ب10 ألاف مصابة وغالبيتهن من الأوساط الفقيرة.
ويُعَرفُ الأطباء مرض النواسير الولادية، بأنه عبارة عن تمزق يحدث خلال بعض الولادات العسيرة، ينتج عنه التقاء بين الأجهزة البولية والتناسلية والهضمية، ويؤدي إلى تسرب للبول والبراز بشكل مستمر، ودون أن تكون المرأة قادرة على التحكم فيهما، وهذا ما يدفع المصابات إلى العزلة والابتعاد عن الآخرين . وترجعُ منظمة الصحة العالمية، انتشار هذا المرض بين الموريتانيات من سكان الارياف الى ظاهرة الولادة المنزلية بسبب قلة المستشفيات والنقاط الصحية ،حيث تتم الولادة غالبا على يد قابلات لم يتلقين تكوينا في المجال ويستخدمن أساليب جد بدائية .
كما تعزيه المنظمة الى أسباب أخرى، من بينها تأخر الاستشارات لدى المراكز الصحية ،صعوبة النفاذ إلى المراكز الصحية بسبب بعد المسافة ووعورة الطريق، إضافة إلى التأخر في تلقى العلاجات المناسبة بسبب نقص الكفاءات.
وتقولُ "أمباركه" ،وهي أحدى المصابات بالمرض لـ"أصوات الكثبان" ،انها عانت منذ الاصابة به عام 2010 من آثار نفسية صعبة ،بعد ولادتها داخل منزلها بإشراف من قريباتها .
وتُؤكدُ "أمباركة" ،أنها تكتمت كثيرا على المرض حتى بعد عامين من الاصابة به ،حيث أقنعتها احدى صديقاتها مؤخرا بالذهاب الى مستشفى" كيفة" لتلقي العلاج وذلك بعد حملة تحسيسية أطلقتها رابطة النساء المتطوعات من أجل التنمية بولاية لعصابة .
وتعتبرُ"أمباركه"أنها بعد شروعها في العلاج ، تجاوزت آثارا نفسية كانت تعانيها ، مثل الحساسية الشديدة من الجلوس مع الآخرين، بسبب الرائحة الكريهة التي كانت تلازمها في ذروة اشتداد المرض، وذلك خشية اطلاع الاخرين على حالتها الصحية.
حالةُ "أمباركه" ،وإن كانت من القلائل اللاتي فضلن الحديث لوسيلة اعلامية ، شريطة عدم نشر صورتها ،تنطبق على عشرات الحالات التي تتلقى العلاج في سرية تامة ،وفق منظمات صحية عاملة في المجال ،إلا أن التقاليد مازالت تمنعهن من الحديث عن مرضهن في العلن، ليمثلن بذلك أغلبية صامتة لضحايا هذا الداء.
وبحسب مسؤولي الصحة الموريتانيين ،فإن المصابات بهذا المرض ، يتوزعن إلى ثلاثة مستويات، ما بين إصابات بسيطة أو متوسطة أو معقدة، ورغم أن كل الحالات لا يمكن أن تُشفى دون تدخل جراحي، فإن الحالات المعقدة تتطلب نقل المريضات الى الخارج لتلقي العلاج.
ويُعزي الباحث الاجتماعي "الدو ولد أحمدناه"، ارتباط مرض النواسير الولادية ،بالاضافة الى ماسبق، الى أعراف المجتمع وعاداته المتخلفة والتي تلزم المرأة بالكثير من العزلة، خاصة وأن الكثير من الأسر في الريف لا تسمح للطبيب بمعاينة بناتها وإجراء الفحوصات لهن لاعتقادهن أن ذلك يمس من عفافهن وكرامتهن،وبالتالي يفضلن وضع حملهن داخل المنازل.
وبخصوص المضاعفات ، قال" ولد أحمدناه " انها كارثية بالنسبة للمصابات بهذا المرض، حيث تبقى المريضة منبوذة، وغير قادرة على الاقتراب من الآخرين ، مشيرا إلى أن المعالجة لا تتطلب تدخلا جراحيا فحسب ،وإنما أيضا علاجا نفسيا وتكفلا اجتماعيا.
وأشاد "ولد أحمدناه" ،بدور صندوق الأمم المتحدة للسكان في القضاء على النواسير الولادية في موريتانيا، من خلال ارسال خمسة جراحين كل عام ، بهدف اجراء عمليات علاجية للنساء الموريتانيات المصابات بالنواسير الولادية، وهو ماساهم في تخفيف معانات المريضات بهذا الداء المصنف من الأمراض النادرة الحدوث.
dune-voices