الخِطابُ السِّياسِيُّ ركيزة دعَائِمِيَّةٌ يُستحسَن التَّمرُّن عليها واستِخدامُها بِحنكَةٍ وروِيَّة، لتُعطي نتائِج إيجابِية تخدُم المُخاطِب ومشرُوعه الدِّعائيّ. ورجُلُ السِّياسة تُقاسُ دهاءَتَه وحنْكته من خلال تحليله خطابِيًّا.
في حالتِنا فشِلت مُعظمُ إن لم يكن كلُّ الخرْجات الخِطابوِيَّة التي قام بها النِّظام العزيزي بدءاً بتصريحات تطبعُها السَّذاجة واللاَّمبالاة صدرت عن وزراء في حكومة الجنرال، وليس انتهاءً بخرْجةِ الجنرال نفسه ورئيس حزبه والذي اعتُبِرَ آخرَ الورقَاتِ التَّصحِيحية والشَّارحة لخطاب ولِيِّ النِّعمة في قاموسِ "العزيزيِّين"، فحملتْ سُخرِيَّة ولد محم ما لم تشتهِيه رغبة جنراله.
كان ولد محم قد استخدم أسلوباً سمِجاً ذا طابعٍ سُوقِيٍّ إقصائيٍّ دونِيٍّ استعلَى فيه على خيرة الشباب القابِض على جمرِ الحقيقة ورصانةِ الأسلوب وسلامةِ الوسائل. ظهر ولد محم في ثوبِه الإقطاعِيّ الوِصائِيّ؛ فدعا الشباب للدخول في المِلَّةِ "الماديَّة" التي تُحيطُ بمشروعه الحُكمِيّ الجنرالي.
الرَّجل لم يكن لبِقاً وهو من كان سليطَ لسانٍ يوم كان ذا صِفةٍ مُحاماتِيَّة يسْلقُ الكلام ويتلاعبُ باللغة وفصل الخِطاب. حسنا نحن لسنا في معرِض مدحٍ بقدر ما نحن بمعرض قدحٍ ونقدٍ للأسلوب الذي تعامل به رجل كان منسوبا "بالأصل" للدَّهاءة فإذا به متبَنَّى لها "بالفرع"؛ فاختلطت حبالُه بنِباله فغَلبت الأخيرة الأولى؛ فترجمت كلاما ركيكا سذِجاً أنتج سلبياتٍ كانت تراد إيجابيات. غباء عمَّ النِّظام فغرِقَ دون قوارب النجاه.
أخيرا يمكن الإبقاء على احتمال ضئيل قد يستفيد منه ولد محم -في دعوته للشباب الْمقطوعي النِّعال باستبدالها بنعال حزبه- لو لم يراعِ البُعد النوعِيَّ دون الكمِيِّ؛ وهو أنه أطلق نداءً دعائِيًّا في قولبة محددة ( دعوته لشباب ماني شاري كازوال بالانضمام لحزبه ) يجعله -ربما- يحصل على البعض من غير المُصنَّفين مستعدين لدفع تأشِيرةِ وقفةٍ أو وقفتين، من أجل لفت الانتباه، على تأسيس أنهم فعلا من فئة الْمقطوعي النِّعالِ وقد سئِموا المشي حافِيُّوا الأقدام.