لقد فقد اليوم رجل من أمثل الرجال ، وفتى من الفتيان بمقاييس عصره ذاك هو الدكتور ادوم ولد محمد فال الذي توفي بعد صلاة العشاء من ليلة الأحد الموافق 14/05/2016 عن عمر لم يتجاوز الخميسن إلا قليلا غير أن الأعمار بيد الله ، والتفويض إليه فى ذلك وغيره هو حصن المؤمن في فاجعات الأمور وفى ما يسر منها على تقلبها المطرد بين هذا وذاك. كان لعمر الله فذا في جوانب شخصيته حقا من حيث الكفاءة العلمية، ومن حيث المقدرة المهنية إذ هو الطبيب الماهر الشافي السمح طلق المحيا، وان شئت فلك أن تقول كان رجلا كاملا أومستكملا لشرائط الكمال في الرجال من حيث هم رجال. إن الذي يعرف المرحوم عن كثب ليعرفه بهذه الخلال متحققة ماثلة بادية للعيان لا تكلف فيها ولا تصنع آذ مآل التكلف والتصنع في الأخلاق هو الاضمحلال وانكشاف حقيقة الخلق المقابل ظاهرا غير مستور
وأسرع مفعول فعلت تغيرا **** تكلف شيء في طباعك ضده
وفى جانب شخصية الرجل لمن لا يعرفه إلا عن بعد خلق البرور للوالدين، فما نعرف أحدا بلغ به البرور إلى أقصى معانيه مثل ما بلغ بالمرحوم فهو لوالدته طيع مأمور تابع لا يعاندها فى أمر ولا يسوفها فى مطلب ولا يؤجل رغبتها إلى موعد فهو أمامها كالثوب فى يد غساله أو نساجه كالا إحساس به ولا روح ـ يرحمه الله ـ من ولد بار بأمه ووالده بل وبالناس أجمعين. لقد كان فى حقيقة نفسه سخيا كريما وجماع معناهما أنهما الإنفاق بطيب النفس فى ما يعظم خطره ، ولقد أنفق فى ما يعظم خطره أنماطا تدل على أن هذه الخصال من جبلته،وذوو قرباه يعرفون حقا معنى ما أقول، ومن ثم فالمثال على ذلك مستغنى عنه في هذه العجالة.
عرفناه متدينا مرتبطا بالمسجد ومنزو فى بيته يصلى النوافل ـ والصلاة عماد الدين ـ وكان يسأل دائما عن أحكام الصلاة وعن معانيها ، وأسرارها ، والسؤال عن أسرار الصلاة من دقائق الفهم للدين، ومن ثمرة عمق أثر الإيمان فى قلب المؤمن ، ولقد ذكرت فى حديث أمامه بمناسبة سؤاله عن بعض الأسرار فى الصلاة أن الإمام أبا حامد الغزالي ذكر فى كتابه الاحياء: شيئا كثيرا من أسرار الصلاة ، وأن أحكامها المتعلقة بها قد يبلغ بها الإحصاء إلى اثني عشر ألف حكم ، فقال هذا رجل عظيم بحق وليتنى أجد من الوقت ما أطالع فيه كتب هذا العالم لأستفيد منها.
كان رجلا محبوبا لدى ذويه الأقربين حقا ، إذ كان يولى الجميل ولا يصدر منه إلا الصلة والعطف والمودة ...الخ. ولقد كان كذلك لعشيره اذ لم يعرف أبدا ـ فيما نعرف عنه ـ إلا أنه رجل للجميع لا لمخصوص بعينه.
وأما زملاؤه الأطباء وأساتذة كلية الطب فهم بالرجل أعرف وبكفاءته أعلم وبأخلاقه أدرى ، ومن ثم فإنهم يعزون كأهله فى مصابه.
هذا ولقد بقي من خصال الرجل ما لم نشر إليه إلى أكثره ، ولعل غيرنا أن يكتب عنها إذ فى نفوسنا من مصابه الألم المر وأي ألم. نعزى أسرته وبخاصة ـ اسرى بنت لمخيطيرخالتنا ـ وبقية أفراد الأسرة الكريمة فى هذا المصاب الجلل والفاجعة الأليمة ونحن وهم على مقدار مشترك من ذلك وليس بالقليل.
اللهم اغفر له ،وارحمه ،واعف عنه، وعافه ،وتجاوز عن سيئاته ، وتقبل منه ما عمل من عمل صالح ،وارفع درجاته ،وقه فتنة القبر وعذابه، ووسع مدخله ،واغسله بالماء والثلج والبرد ،وآته الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يوم القيامة انك سميع مجيب.
عبد الله ولد امحمد