في حديث موغل في السخرية والإستخفاف بعقول "أهل كيفه" قال السيد سيدي محمد ولد محم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وهو يخطب في العشرات من الأطر والوجهاء المؤيدين لحزبه بكيفه الذين اجتمعوا لافتتاح المقر الجديد: إن مقاطعة كيفه يجب أن تبقى خالصة للحزب الحاكم وأنه لا يقبل إطلاقا أي نصيب للأحزاب الأخرى مستطردا بأن ذلك ببساطة هو ما يجب بالنظر إلى ما تحقق من إنجازات ومشاريع -دون أن يذكرها- لهذه المدينة الحيوية.
تحدث ولد محم بهذه العبارات أمام ملإ لاشك يكذبه في كل ما صدر منه ، لكن الجبن والأنانية والخوف والطمع كلها أسباب لم تدع مجالا ليعترض أحد من الحاضرين على هذا الكلام الذي يفنده الواقع وتكذبه بجلاء كل المعطيات على أرض هذه المدينة.
وهنا فإننا نسأل ولد محم عن المنة التي توجد لدى هذا الحزب ونظامه على هذه المقاطعة حتى ترد الجميل كما طلب: هل يعني الرئيس ولد محم ثلاث سنوات من الإقالات المتواصلة لأطر هذه المقاطعة التي أصبحت عونا لكل اجتماع وزاري. وإخلاء الحكومة من أي ممثل للولاية برمتها حتى وقت قريب؟
هل يعني الوزير شطب ولاية لعصابه من برامج السدود والسياج وكل الدعمات المتعلقة بالزراعة خلال السنة الماضية وغياب ذلك فيما فات من هذه السنة-وهي التي كانت تعتمد في معيشتها علي الزراعة فيما مضي- وتخلي السلطات عن مشروع خضروات كنكوصه وغياب أي مشروع تنموي بالولاية اليوم؟
أيعني ولد محم استثناء ولاية لعصابه من أي مصنع أو مؤسسة للتعليم العالي ومن أي استثمار آخر ونسيانها من توجيه أي مرفق تنموي ذي فائدة على السكان؟
هل يجب على هذه الولاية أن ترد جميلا وهي التي تعيش أوضاعا مأساوية في جميع المجالات أيها الرئيس؟؟
ففي مجال العطش لا يكترث ولد محم بعطش عشرات الآلاف من سكان مدينة كيفه سواء في الأحياء التي حرمت من الشبكة ابتداء ،أوفي الأحياء التي التحقت بقافلة العطش أخيرا عندما جفت حنفياتها منذ أكثر من سنتين.
هذا العطش الذي هجًر الأسر وحول حياة المواطنين إلى جحيم، ودفعهم إلى شراء مياه آبار قديمة كانت مكبا للجيف والقاذورات بأسعار غالية. ومقابل أوجه المعاناة التي يعيشها السكان جراء العطش لا يجد رئيس الحزب ولد محم حرجا في وصف الأوضاع بصورة وردية وكأنه تجول في حي السيف أو النزاهه أو أنتو أو دبي أو العنكار أو التميشه أو المطار وحتى الجديدة والحي الإداري وسأل الأسر عن حالهم مع العطش.
أما في مجال التعليم فسل أيها الرئيس عن حاله: تجد أن التلاميذ وذويهم ورابطات الآباء والمراقبين وكذلك المدرسين بولاية لعصابه ،كلهم مجمعون على أن هذا القطاع في وضع يتحرك حثيثا من الكارثة إلى المأساة، نظرا لغياب الوسائل. فعلى سبيل المثال لا تمتلك المفتشيات المقاطعية بلعصابه سيارات للقيام بأبسط المهمات ، وبسب الواقع المزري الذي يعيشه المدرس ولحالة المباني التي ما زال بعضها أعرشة وأخبية والبعض الآخر يكاد ينهار على رؤوس التلاميذ بما في ذلك أعرق المدارس بمدينة كيفه.
أما الوضع الصحي فهو أكثر سوء: فالنقاط الصحية لا تغطي الجزء اليسير من القرى والتجمعات بولاية لعصابه، وهناك مسافات شاسعة بين تلك النقاط تتجاوز في كثير من الأحيان عشرات الكيلومترات، ثم إنه في أحسن الأحوال تتوفر النقطة الصحية على ممرض واحد أعزل من أي أداة أو قطعة قطن، وكثيرا ما يعزف القرويون عن زيارته، فيعود إلى الإدارة طالبا التحويل ،ويمكنك يا رئيس الحزب أن تزور قرى الحدود الجنوبية لترى بنفسك مواطناتك وهن يلدن على عربات الحمير في طريقهن إلى المراكز الصحية التي تليهم بدولة مالي ليجدن الدواء والرعاية.
وعلى مستوى أكبر مرفق صحي بالولاية - مستشفى كيفه- فإن الجواب جاهز على لسان كل زائر ومريض: إهمال مستشر، وافتقار فاضح للوسائل والمعدات وأطباء في مجملهم محل انتقاد السكان وعدم رضاهم ، مما صرف الناس إلى الطب التقليدي وإلى الرقيى والشعوذة والتماس الحلول في العيادات الخاصة.
صحيح أنه بالتعاون مع الصين يتم الآن بناء مستشفى كبير بمدينة كيفه ، لكن المشكلة لم تكن يوما في القاعات و الدهاليز بل في طاقم بشري كاف يضم جميع الاختصاصات، ويتمتع أفرداه بالمهارات والاستعداد والضمير، ومسلحين بالمعدات والتجهيزات الطبية اللازمة ،وهي أشياء لا يوفرها المبنى مهما بلغ من الاتساع والشموخ.
وعلى ولد محم أن يستفسر عن حالة التغطية الكهربائية بكيفه حتى يعلنها خالصة لحزبه إذ تفتقر عشرات الأحياء إلى الكهرباء ولا يلبي الموضوع في الخدمة الحد الأدنى من حاجيات السكان الذين يتكبدون الخسائر بشكل يومي نتيجة ضعف الجهد والانقطاعات المتكررة للتيار الذي لا يستطيع في بعض الأحيان شحن هاتف نقال.
لقد اعتقد ولد محم الناعت للأمور وكأنها على ما يرام أنه يتحدث لمواطنين أغبياء لا يعون ما حولهم ولا يفهمون في الحياة شيئا ،وهم الذين تغامزوا من حديثه وكنوا في انفسهم كل آي التكذيب.
لم يكن حديث ولد محم عن خير فعله النظام الحالي لسكان لعصابه يستحق الإشادة ورد الجميل إلا فصلا من فصول الاستهتار بالمواطنين و الاستخفاف بعقولهم والتفرج على ما يقاسون من مظاهر الفاقة والحرمان.
يمكنك سيدي الرئيس ولد محم أن تتغنى بانجازات سلطان البلاد عبر أمور تعلم في غرارة نفسك أنها باطلة، ومهما بلغت من ترويج وتطبيل لحزبك ورئيسك فإنك لن تحجب الحقيقة المرة بهذه الولاية المتمثلة في انتشار التخلف و الجوع والعطش وتردي الخدمات والخوف المطبق مما يخبئه المستقبل.