من أفضال الديموغرافيا، و نعم المحاصة الجهوية على ولاية الحوض الشرقي أنها تستأثر بنصيب وافر من المقاعد الوزارية - من بينها منصب الوزير الأول- في معظم التعديلات والتشكيلات خلال الحكومات المتعاقبة التي عرفتها موريتانيا، لدرجة أصبح هذا التقليد معطى سياسيا ثابتا في البلد.
و رغم الأهمية العددية و الرعوية لولاية الحوض الشرقي، فإن البعض يرى أنها لم تحظ سابقا بالقدر الكافي من تثمين قدراتها و الاهتمام بمشاكل ساكنتها كما يحدث الآن، فمشروع "أظهر" و مصنع الألبان و جهود التوطين، و فك العزلة، و فرص الاستثمار كلها دلائل صادقة على الاهتمام الذي يوليه الرئيس لهذه الولاية.
و في هذا الإطار تتنزل زيارته المنتظرة والرابعة خلال السنين الست الأخيرة، و هو معدل مرتفع مقارنة مع ولايات الوطن الأخرى خلال نفس الفترة، ربما يؤكد تزايد اهتمام الرئيس بتنمية الولاية، و حرصه على لقاء سكانها، حيث لا تخلو زيارة من مزايا، لعل أهمها الوقوف على مدى تقدم الأشغال في المشاريع قيد الانجاز، و تذليل العقبات لتسريع وتيرة التنفيذ، و محاسبة المسؤولين عن التأخير، و زيارة اترارزة الأخيرة خير مثال، إضافة إلى أنها فرصة بالنسبة للرئيس لتفنيد مزاعم المعارضة، و كشف الحقائق، و تقديم بعض الإجابات على بعض الأسئلة الملحة على الساحة الوطنية (المأمورية، و الحوار، و الذهب ...)
وإذا كان من أفضال الزيارة تقاطر الأطر، و عودة بعض رجالات الأعمال، و الوجهاء و المنتخبين إلى مدينة النعمة عاصمة الولاية، و ما سيرافق ذلك غالبا من انتعاش الاقتصاد المحلي ولو بشكل مؤقت، إلا أنها فرصة أيضا لتسليط الضوء على نواحي التقصير، و مستوى ضعف الخدمات داخل المدينة، من خلال وسائل الإعلام الخصوصي، و المستقل التي ترافق الرئيس عادة، في مثل هذه الزيارات.
و لكن زيارة الرئيس، و فرصة لقائه قد تحل نقمة على المدينة، بفعل التجاذب السياسي الحاصل، و الصراعات الدفينة بين الأقطاب ، و الأحلاف في الولاية، و هو ما ظهرت بوادره في خطوات التحضير لهذه الزيارة، إذ يحرص كل طرف على تحجيم خصمه وتقليص دائرة نفوذه، و إفشال جهوده التحضيرية، و بذلك يجد المنغصون، و بعض العناصر المدسوسة الفرصة ليدقوا الأسافين بين هذه الحساسيات، لكشف مساوئها لتحل عليها لعنة الرئيس فيبدأ في إقالة أطرها، و ربما تصنيفها.
لكن المهم في هذه الزيارة، و في لقاء الرئيس هو مستوى حرصه على الاجتماع بالضعفاء، و المظلومين و المهمشين، ممن لا قرابة لهم ببطانة الرئيس و لا بجنرالات العسكر، ولا حول ولا قوة لهم في الوصول إلى الصفوف الأمامية من المستقبلين، أحرى مزاحمتهم في حلبة الصراع حول لقاء الرئيس ، و الاستماع إليهم، هؤلاء هم شعب ولد عبد العزيز، لا أولائك القادمون من نواكشوط في سياراتهم المكيفة، و ثيابهم الأنيقة، الباحثون عن الرخص، و التعيينات ، و صفقات التراضي و المسكونين بحب الظهور .