لا ضير في الخلاف السياسي فالأحادية و "التًطَابُقيًةُ" السياسية قَتًالَةٌ للمواهب مَزرَعَة للجمود و البَوَارِ والتقهقر بل إني من الذين يعتقدون أن سُمُوً السياسة و نبلها و فائدتها و متعتها و أناقتها وجاذبيتها إنما تتحقق في ظل "مُطَارَحَاتِ" التعدد و التنوع و "صدامات" الأفكار و الطموحات المجتمعية المقيدة بقاعدة "الاختلاف السياسي بإحسان".
و يُقصد بالاختلاف السياسي بإحسان " سعيُ كل الأطراف السياسية إلي الوصول إلي السلطة أو الاستمرار فيها عبر المنافسة و المُغَالَبَةِ الدائمة للأفكار و الآراء وفق ضوابط الشرع و القانون و النظم و الأعراف و الذوق السليم؛ و تؤدي تلك المغالبة دائما إلي زحام العقول و إنتاج أحسن المشاريع و الإصلاحات التي تضمن التطوير الدائم للمجتمع نحو الأفضل". كما أن من علامة صحة و عافية التشكيلات السياسة المتوسطة و الكبيرة وجود" التنوع السياسي الداخلي" الذي يعني "بروز اتجاهات رأي داخلية لَحظِيًةٍ و متحركة ( تتشكل غالبا حسب موضوع النقاش و التداول) و تُضفي مناكفاتُها علي النقاش الحزبي الداخلي حيوية و رؤية نقدية و مصداقية و ديمقراطية داخلية شريطة أن تظل تلك "المُعَاكَسَاتُ" تحت سقف القاعدة الحزبية الصارمة القائلة بأن الرأي الحر للمنتسب و القرار الملزم للحزب".!!
و المتأمل لواقع العلاقة بين أحزاب الموالاة و أحزاب المعارضة ببلادنا للأسف ملاحظ أنها خارجة علي قاعدة "الاختلاف بإحسان"قائمة علي عدم الثقة و التقاطع و التأزيم الدائم بسبب و بلا سبب فبعض أحزاب المعارضة لا تعتبر أحزاب الموالاة أكثر من "مقاولات مؤقتة للإشهار السياسي" و لا تحسبها ندا سياسيا آية ذلك اشتراطها أن يكون الحوار السياسي مع إحدي مؤسستي الرئاسة أو الحكومة و جهرها بأن أي محاولة لتكليف أحزاب الموالاة بملف الحوار دليل علي التمييع و عدم الجدية!!.
و بنفس الدرجة من الاستهزاء لا تعتبر أحزاب الموالاة بعض أحزاب المعارضة إلا مجرد نَوَادٍ للظلاميين و "أتباع الإيديولوجيا الآفلة" و المتقاعدين و الحاقدين و المستعجلين السلطةَ، القائلين بأنهم أحق بها و أهلها و المدمنين علي الكفر بمخرجات صناديق الاقتراع عبر التاريخ الديمقراطي التعددي للبلد، الضاربين عرض الحائط باستقرار البلد و أمنه و تماسكه ما لم تتحقق" أَخَالِيطُ أحلامهم"بالظفر بالسلطة علي البلاد والعباد!!.
أما المحلل للحياة الداخلية للأحزاب السياسية الموريتانية فلا شك مصاب بالدهشة و الاستغراب من كون معظم الأحزاب تطالب بالديمقراطية و تمارس الدكتاتورية داخل عمل هيئاتها الحزبية فكل محاولة للتنوع السياسي الداخلي مصنفة دائما نوعا من "الطابور الخامس" و "الموالاة أو المعارضة المقنعة" و لا تعدو مداولات الأحزاب الكبري موالاة و معارضة غالبا كونها نوعا من التصديق و المصادقة علي الأوراق المعروضة من دون تحسين و لا تطوير و لا تعديل"!!. إن واقع التجاذب السياسي الحالي العنيف بين الموالاة و المعارضة المتمثل في رواج استخدام "قاموس الخشونة اللفظية" المتبادل بين الطرفين بدأ يقترب حسب بعض المراقبين الحادبين المشفقين- و المشفقون مولعون مسكونون بسوء الظن- من مزالق العنف اللفظي الذي يمثل حسب التجارب السياسية الحديثة "طلائع" إمكانية التطور- لا قدر الله- إلي تهديد الاستقرار المجتمعي.
و سبيلا إلي تبديد تلك المخاوف أقترح أن تسارع إحدي الكتل السياسية إلي خَيرِ صياغة مشروع "ميثاق للاختلاف السياسي بإحسان"قد يكون من أهم بنوده تحريم استخدام مفردات الخشونة اللفظية بين الموالاة و المعارضة من مثيل (العصابة الحاكمة، زمرة المصفقين،الحاقدون المتقاعدون، رموز الفساد،...) و كذا سن تقليد إقامة "حفل عشاء سياسي" نصف سنوي بجمع رئيس أو رؤساء "تكتلات" أحزاب المعارضة و كبار معاونيهم برئيس أو رؤساء "اتحادات" أحزاب الأغلبية و أقرب مساعديهم...