بعد ترقب، وطول انتظار، قرر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية تنظيم فعالية جماهيرية، بحضور رئيس الحزب، والوزير الأول، واختير أن تكون الفعالية شبابية بامتياز، لكن الشيوخ، والمراهقين، والأطفال كانوا معنيين بمضامين الخـُطب، ودلالات المواقف، فقد كشف الحزب- ممثلا في رئيسه- والحكومة - ممثلة في رئيسها كذلك - عن مواقف هامة، ومؤشرات تمكن من استشراف قادم الأحداث السياسية في البلد. الدستور، والمأمورية إلى التأجيل..
إذا كانت كلمتا "دستور" و" ومأمورية" الأكثر شيوعا على ألسنة المعارضين هذه الأيام، فإن رئيس الحزب الحاكم، والوزير الأول لم ينطقا أبدا هذين المصطلحين، لكن ذلك لا يعني أنهما تجاهلا الجدل المثار حول الموضوع، فولد محم اختار الرد على المنتدى بطريقة غير تقليدية، عندما قال إن النظام، وحزبه لن يدخلا معركة لا يريدونها، وهم من سيحددون زمان، ومكان، وإطار معركتهم، وفي ذلك رسالة واضحة بأن الدستور، والمأمورية قد يكونان عنوان معركة، لكن ليس في الوقت الراهن، لأن عدم تقديم موقف هو في حد ذاته موقف، هكذا هي قواعد السياسة، فكان بإمكان ولد محم مثلا أن يقول إن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور، ولن يسعى لتغييره، ولن يترشح لمأمورية أخرى، وأنما يقال هو من تهريج المعارضة، ومغالطاتها، لم يقل الرجل ذلك رغم مناسبته للمقام، بل إن ولد محم ألمح إلى إمكانية تغيير الدستور، إذا كان ذلك نابعا من رغبة الشعب، عندما قال في حماس مخاطبا الشباب" أي خيار تريدونه سنكون معكم فيه، وأي قرار تتخذونه سندعمه بقوة". الرد على مصدر النار..
كان لافتا أن ولد محم لم يتحدث مطلقا عن الحوار مع المعارضة، واختار الرد على مصدر إطلاق النار بالمثل، عندما وصف المعارضين بالمتقاعدين سياسيا، والفاشلين، وموزعي اليأس، والقنوط، مؤكدا أن الشعب خذلهم، وقد مـُنحت لهم الفرصة سابقا ولم يفعلوا شيئا، وإذا استحضرنا أن كلام ولد محم هذا يأتي بعد أقل من أسبوعين على قرار "المنتدى" إغلاق باب الحوار نهائيا مع النظام، نستنتج أن الأولوية اليوم لم تعد لأي حوار، ولا تواصل بين النظام، والمعارضة، وأن الطرفين اختارا الاحتكام إلى الشارع، والتوجه للمهرجانات، والمهرجانات المضادة، في معركة لا تبدو نهايتها واضحة، ولا نتائجها محسومة. الحكومة، والحزب..
شكل الظهور المتكرر للوزير الأول يحي ولد حدمين في أنشطة الحزب الحاكم مؤشرا واضحا على أن الطرفين ينسقان بالفعل في كل شيء، فالحكومة تستأنس بآراء الحزب في قراراتها، وتعييناتها، والحزب يستميت في الدفاع عن الحكومة، وبرامجها، وقد ظهر الوزير الأول في أنشطة للحزب الحاكم ثلاث مرات خلال شهر واحد تقريبا، الأولى لدى حضوره اجتماع المكتب التنفيذي، والثانية لحضور اجتماعات المجلس الوطني، والثالثة مساء أمس بدار الشباب، حيث أكد ولد حدمين أن مواقف الحزب تمثل الحكومة، وهي رسالة لمن يهمهم الأمر، وكانت كلمتا ولد محم، وولد حدمين متطابقتين في المضامين.
حزب للمستقبل...
مشكلة الأحزاب الحاكمة في موريتانيا أنها تخطط، وتعمل للحاضر فقط، وكأن عمرها مقرون بفترة حكم النظام، وبزواله، يتلاشى الحزب، ويختفي، حدث ذلك مع الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي بعد سقوط نظام ولد الطايع، وحدث لحزب عادل، بعد سقوط نظام ولد الشيخ عبد الله، ويريد ولد عبد العزيز على ما يبدو تلافي المصير نفسه، ويبدو الرجل من الآن عازما على تأسيس حزب سياسي عريق، بتقاليد راسخة، يضمن له الاستمرار في المشهد السياسي حتى لو قرر ترك السلطة، وهذه الرسالة بدت واضحة جدا من كلام ولد محم أمس، عندما استخدم مصطلح "الاجتياح" مطالبا الشباب باجتياح الحزب.
كل المؤشرات، والدلائل تشير إلى أن النظام الموريتاني، بحكومته، وحزبه قرر خوض معركة الجماهير مع المنتدى، ويريد حسمها مبكرا، وبفارق كبير جدا، وحينها قد يكون الحديث عن الدستور، والمأمورية الثالثة قد حان وقته بالنسبة للنظام.