بعد أن واجه النظام، سيلا من الإنتقادات، المتعلقة بأداء حكوماته والتي أخفقت في التعامل مع الظروف المعيشية المقلقة، التي صاحبها تململ شرائحي وشعور بعدم الأمان بالمعنى الواسع.. قام مؤخرا بإعطاء مجموعة من الإشارات، يسعى من خلالها إلى تأكيد رغبته في تخفيف النقمة من خلال إحداث تغيير، يتسم بالجذرية والشمول.
إلا أن الرأي العام الوطني فوجئ هذا المساء بتعديل وزاري جزئي، يتسم بالفجائية، بالنسبة لبعض الوزراء الخارجين، والذين كان ينظر إليهم، بوصفهم جهة ثقة وأوجها يرتضيها النظام لنفسه.. في حين اعتبر خروج آخرين، هو أمر فات أوانه وتأخر أكثر مما يجب.
ولعل أول إشارة تتبادر إلى الذهن، هي: أن النظام ليس بصدد إجراء تغييرات جذرية في جهازه ومسؤوليه، وبالتالي، فهو لا يرى بعد حالة الشلل، التي يعيشها على مستوى الخطاب والمسارات التنموية والإجتماعية والدولية، الشيء الذي قد يعطي انطباعا بأنه أصبح عاجزا عن إحداث التغيير الذي يخدمه، ولم يعد بمقدوره، سوى حركات بهلوانية، هي في الواقع قشور، لا تسمن ولا تغني من جوع، ضحايا: موظفون بسيطون وفئات مهمشة، غير قادرة أصلا على رد الفعل أو التأثير.
فإعلان رئاسة الجمهورية هذا المساء أنه بموجب مرسوم صادر عنها، تم إخراج السادة: حمادي ولد أميمو- أحمدو ولد جلفون- وسيد أحمد ولد الرايس- وبا عثمان- وسيدي ولد الزين من التشكيلة الوزارية، وأنه تم استبدالهم بآخرين،هم:
وزيرا للخارجية : إسلكو ولد أحمد إزيد بيه
وزيرا للصحة: البروفسير. كان ببكر
- وزيرا للمالية والاقتصاد: المختار ولد أجاي
وزيرا للتهذيب الوطني: إسلمو ولد سيد المختار
وزيرا للإسكان والعمران والاستصلاح الترابي: سيدنا عالي ولد سيدي ولد الجيلاني
وزيرا منتدبا لدى وزير الاقتصاد والمالية مكلفا بالميزانية : محمد ولد كمبو
هو إجراء، يهدف النظام منه جوهريا: إعطاء إشارة أنه لا زال على قيد الحياة.. وأنه بإمكانه- على الأقل- إزاحة أشخاص ووضع آخرين محلهم.. لذا لم يتضمن التعديل الوزاري أي إشارة ذات دلالة، بالنسبة للواقع الإقتصادي، والإجتماعي والسياسي.
كما أن الداخلين ليسوا بالضرورة أكثر كفاءة من الخارجين .. أما الإستقامة فلم يقدم النظام حولها جردا بالنسبة للخارجين ولا الداخلين، لنعرف أي الفريقين أفضل.
وعموما فإن القراءة الأولية، تسمح لنا بأن نستنتج ما يلي:
1- أن الرئيس أخرج واحدا من فريقه الحاكم، هو ولد الرايس واستعاد آخر بدلا عنه أكثر صقورية، هو: إسلكو ولد إزيد بيه.
2- حضور الطابع القبلي- الإثني ، حيث تم استبدال ولد جلفون وولد الرايس وولد الزين، بآخرين من نفس المجموعة القبلية، هم على التوالي: سيدنا عالي ولد سيدي ولد الجيلاني ومحمد ولد كمبو وإسلمو ولد سيدي المختار ، كما تم استبدال با عثمان بالدكتور كان بوبكر.
3- عدم راديكالية التعديل، عكس ما كان متداولا في الإعلام وفي الصالونات خلال الأيام الأخيرة.
4- وجاهة خروج وزراء، هم وزير التهذيب لفشله الواضح ولمسلكياته، التي أزكمت الأنوف وفشل ولد الرايس في إدارته للبنك المركزي، عند ما لم يتعامل بمسؤولية وبالحزم المطلوب، اتجاه إفلاس "موريس بنك"، الشيء الذي يبرر ضعف الثقة في أدائه بالنسبة للملف الإقتصادي- رغم أنه قد يخلف ولد إزيد بيه في سلطة التنظيم- كعادة ولد عبد العزيز في احتكار مناصب معينة لمقربيه الشخصيين، والذين يعتبر ولد الرايس أحدهم، رغم إخفاقه المهين، والذي لا شك أنه سبب إحراجا شخصيا للرئيس، الذي فضل على ما يبدو تدحرجا في السقوط، يليق بشخص مقرب منه- كولد الرايس.
في حين لا زال هناك غموضا، يلف الأسباب الحقيقية للتخلي عن ولد اميمو، الذي يعتبر حديث عهد بالحكومة ووجها مقبولا داخل التشكيلة، المكونة لحكومة ولد حد أمين، التي هي في الواقع، مجرد استمرار لحكومة ولد محمد لقظف- إن صحت نسبة الحكومة إليهما- لهامشية دورهما، بفعل مركزية خيارات الرئيس(بوصفه رئيسا للوزراء أما الوزير الأول فليس برئيس للحكومة ولا يمكنه أن يترأسها).
ولأن وزير الخارجية في العرف الموريتاني، يعتبر مجرد ساعي بريد، ليست له أي مبادرة شخصية بالنسبة للسياسة الخارجية، التي هي احتكار كامل للرئيس.. لذا يشكل خروجه، المبكر من الحكومة أمرا مفاجئا بالنسبة للمراقبين.
في حين يعتبر خروج ولد جلفون- الذي يعتبر أحد عمداء وزراء ولد عبد العزيز- أمرا غير مفاجئ، والذي قدمه النظام بوصفه إجراءا لا ينقص من تمثيل تنبدغة، التي حافظت على هذا التمثيل، من خلال تعيين السيد سيدنا عالي ولد الجيلاني.
أما ولد الزين، فقد لا يذهب بعيدا، لأنه أصبح متفننا في التعامل مع مزاجية النظام وتقلباته المرحلية. بطل التعديل، هو: المختار ولد اجاي، الذي يعتبر فارس المرحة،.. فقد خرج من الهجمة الإعلامية مظفرا، وضاعف من ثقة النظام فيه، عند ما جمع له بين المالية والاقتصاد، الشيء، الذي أكد صدقية ما كان يهمس به المطلعون: من أن الرجل قد تجاوز مرحلة الثقة العادية وصار من أخلص خلصاء رأس النظام وأحد أدواته المحببين.
أما الدكتور كان أبوبكر، فلا يعتبر تعيينه زيادة في الثقة، ولا دليلا على نجاح في مسار أنجزه، وإنما هو ببساطة "طبيب الرصاصة الصديقة"، لا أكثر ولا أقل.. وبما أن با عثمان أيضا أصبح خروجه من الوزارة ملحا، فقد تم استبداله به، زيادة في الإكرام واعترافا له بالجميل- من باب الاحتمال. في حين يعتبر بقاء ولد حد أمين، دليلا عمليا على أن الرجل لا زال يتمتع بجزء من المصداقية عند الرئيس، وقد لا يتم استبداله إلا بعد الانتخابات البرلمانية والبلدية المتوقعتين.
5- الطابع المحلي لهذا التعديل، الذي يعتبر في المجمل موجها للداخل أكثر منه إلى الخارج. 6- تعديل لم يقدم إشارة، تطمئن الشرائح المتذمرة وتلك المتضررة من السياسات الراهنة، وهو ما عكسه جمع الملفات الإقتصادية والمالية في يد المختار ولد اجاي، الذي عرف بسعيه المستميت إلى التماهي مع "رؤي" الرئيس أكثر مما هو شخص لديه إبداع وبرنامج جديد، يخفف من معانات الناس أو قادرا على أن يعطي دفعا قويا للإقتصاد الذابل.
7- تعديل يحمل الطابع الشخصي للرئيس، ويعكس غيابا شبه كاملا لولد حد أمين. هذه بعجالة الصورة التي خلفها هذا التعديل الجزئي في الحكومة والذي يعتبر روتينا، عودتنا عليه الحكومات والأنظمة المتعاقبة، بوصفه بلسمها الأوحد لحل المعضلات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، التي ترزح البلاد تحتها، دون إدراك منها أن الأمور لم تعد كما كانت.. لذا لا يعتبر استبدال رجل من جماعة بآخر من نفس المجموعة، هو الجواب الصحيح على ما تواجهه موريتانيا، التي تستحق منا جميعا نهجا غير هذا.
محمد المختار ولد محمد فال- كاتب صحفي