لقد درسنا في إحدى المراحل الدراسية نظرية السقوط الحر في علم الفيزياء ، وبما أنه لم تكن لدينا آنذاك في مدارسنا مختبرات ، وربما لم تكن حتى الآن ، فقد ظلت هذه الدراسة نظرية في أذهاننا إلى حد بعيد ، بيد أنه تسنى لنا الاطلاع على المجال التطبيقي للنظرية حتى شاهدنا كيف تسقط الأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية ، وكيف أن أجساما مختلفة الحجم والكتلة تسقط في نفس الزمن عند غياب تأثير الجاذبية الأرضية ، بيد أن سقوط تعليمنا نسف كل الأنساق والنظريات والمنطق ، فقد سقط قبل كل الأجسام رأسا على عقب تحت تأثير الفساد هذه المرة وليس الجاذبية الأرضية الذي أصبح يمارس فيه جهارا نهارا في أروقة المبنى العتيق لوزارة التهذيب الوطني المعقورة عفوا الموقرة .
إن هذه الوزارة لم تعد مؤهلة للقيام بدورها المتمثل في الاستجابة لتطلعات الجيل الرابع من أبناء هذا الشعب ، جيل "الفايسبوك" لا بشخوصها ولا بمبانيها ، فالأشخاص الذين أشرفوا على صياغة البرامج في الستينات والسبعينات هم نفسهم الموكل لهم صياغة البرامج لجيل "النت" ، فأي غباء أم أي تجاهل لتطلعات أبناء هذا الجيل في مواكبة العالم والسرعة الفائقة في نقل الثقافة والمعلومة .
إن فشل المقيمين على هذه الوزارة بات حديث الناس وهو فشل يتكرر ويتسبب في ضياع أجيال بكاملها ، هذه الأجيال لم تستطع تحصيل لغة أجنبية فضلا عن لغتها الأم ، وأصبحت معلقة في الوسط لاهي نالت تمر الحجاز ولا عنب الشام أو اليمن .
لقد بدأ السقوط الحر لهذه الوزارة منذ تسريب الباكلوريا الشهير أيام الوزير الأول الثاني كما تقول اشطاري ، فمنذ ذلك الوقت بدأت عقاريب الظلام وخفافيشه تعمل في الضوء ، لم تعد تخاف شيئا ولا أدل على ذلك من التحويلات والترقيات الزبونية لبعض الأساتذة والمفتشين والمعلمين لا على أساس الكفاءة ، بل على المحسوبية والرشوة ، وليس هذا غيض من فيض هذا الفساد .
إن شيئا واحدا يمكن أن ينقذ هذه المسكينة وهو إقالة جميع من فيها من الوزير إلى الغفير واستبدالهم بأشخاص يتوهم فيهم نوع من الاستقامة لعل وعسى أن يكتب الله على أيديهم الفرج ، وإلا فإن الموريتانيين سينامون ويستيقظون على جيل جديد من أبنائهم من الجهلة واللصوص وقطاع الطرق لأن المدرسة اليوم أصبحت وكرا للمخدرات والفساد الخلقي ، وميدانا للمبارزة بالسكاكين بين التلاميذ . فأنقذوا التعليم يا أهل الميدان والكفاءة واهدموا هذا الوكر وأطيحوا بهذا الصنم فلم يعد له عباد ، فالمحبين للعلم والتعليم قد ماتوا لأنه لم تعد لهم هيبة كما كانت فأعيدوا الاعتبار للمدرس وللمدرسة وكرموا من يستحق التكريم وعاقبوا من يستحق العقاب .
بقلم دحيد ولد محمد الأمين