علينا أن نختار لأنفسنا ولمجتمعنا ولجمهوريتنا بين الدرس السينغالي والتجربة المالية.
ففي السينغال انحاز الشعب للاختيار الحر معززا الديمقراطية على نحو واضح ، فحقق ديمقراطية سلمية تمتد جذورها منذ استقلال هذا البلد وحتى اليوم ولم يعرف هذا البلد أي انقلاب عسكري أو أي آخر مدني، فصناديق الإقتراع ظلت هي الفيصل في اختيار النظام الحاكم وقد اعترف الرئيس عبد الله واد - وقبل اكتمال النتائج- بفوز غريمه ماكي صال . وقد أورد في تصريح له . عبارة لها ما لها من وقع على نفسي وهي أن الغرب لايعلم الناخب السينغالي ما يجب أن يكون عليه مع أن الديمقراطية وأن كانت لعبة غربية فإن الإفريقي أصبح يتقنها أكثر من صاحبها ، وبالتالي ففي المستقبل قد تكون السينعال في غني عن مراقبين أو مشرفين على انتخاباتها ، فالشعب يعرف ما يريد والنظام يسير في رغبته ملبيا مطالبه، فنعم الدرس ذاك.
حيث أننا في حاجة إلى تطبيق هذا الدرس في منطقتنا وفي القارة بصورة عامة.
ومن المفارقة أن صاحب الدرس دولة إفريقية ومن العالم الثالث حيث جرت العادة أن الحاكم فيه لا يقبل الهزيمة بل مستعد للموت دون التنازل عن الكرسي،بل يعمل على تزوير وفبركة الانتخابات بكل ما أوتي من قوة وعتاد ووسيلة مستخدما كل وسائل الدولة وكل أنماط نفوذه فقلما لا يزول إلا بالموت أو الاغتيال أو الثورة أو ما يعرف اليوم بثقافة الترحيل.
كما تعتمد حركات المعارضة خيار العنف المسلح والتشرذم وتفتيت الجهود مما يؤدي في أغلب الحالات إلى حروب أهلية قد تطول لفترات طويلة بل وقد تستعين بالقوي الخارجية للاستغواء بها على دولها.
أما الدرس السينغالي فقد خالف تلك الممارسة وضرب بعرض الحائط كل دعاية تصب في ذلك الاتجاه وقدم درسا سيكتبها التاريخ بأحرف من ذهب في سجل نضج الشعوب والأنظمة.
وعلى الجانب الآخر وتحديدا في جمهورية مالي عرفت هذه الأخيرة تجربة أصفها بالمرة لما وصلت إليه الأمور في هذا البلد الإفريقي والذي ظل وإلى وقت قريب ينعم بالاستمرار، حيث لم يتحلي بعض العسكر بالصبر حيث أقاموا انقلابا عسكريا على يد النقيب سينغو وذلك بدون موافقة كبار الضباط وكان ذلك الانقلاب قد ساعد في فشل الحرب التي يقودها الماليون ضد حركات الانفصال في الشمال ومما أدي إلى تدهور اقتصادي كبير على البلد والمواطنين وأعاد البلاد إلى عصور خلت تميزت بتعدد الانقلابات والحروب الأهلية، فقد عاجل الإنقلابيون المنهزمين في الشمال الرئيس المنتخب ديمقراطيا في القصر الرئاسي بالعاصمة باماكو واعتقلوه ووضعوه تحت الإقامة الجبرية.
وكان هذا الانقلاب قد ساعد وعجل في احتلال الشمال المالي من طرف حركات التمرد الانفصالية.
وقد سيطرت أزواد على الشمال خاصة كدال وأعلنوا قيام إمارة إسلامية هناك في حين أعلنت هذه الحركة الأزوادية قيام دولتهم في المناطق التي سيطروا عليها والذي لم يلقى اعترافا دوليا.
وعليه فإن العاقل من اتعظ بغيره كما يقول المثل، ولذا أجد أنه يجب علينا أن نختار الدرس السينغالي ونستوعبه ولنحتذي به حكومة وشعبا، وكذلك نبتعد عن الدرس المالي حتى لا نصير في مهب الريح ونقضي على أنفسنا ونتفرق شيعا وقبائل وأعراقا ، وبالتالي تضيع الفرصة من أيدينا بعد أن كنا نتحكم في سيرها وينطلق القطار دون أن ندري متى وأين وكيف ستكون النهاية.
حمدي ولد أحمد / حقوقي وباحث سياسي