تتأهب موريتانيا للدخول في السنة الجديدة 2016 ناظرةً خلفها إلى العام 2015 وهو ينسحب في دورة الزمن، ثقيلاً متباطئاً تاركاً وراءه آلاماً كثيرة لم تهدأ، وإن كانت بجانب تلك الآلام، آمال عراض قائمة. نعم.. كان العام 2015 عام معارك متعددة تتصدرها الأزمة السياسية التي يجمع أطراف المشهد على أنها العائق الكبير، أمام تقدم بلد غني بموارده فقير بأحوال ساكنته. ومن المعارك التي حمي وطيسها معركة حقوق الإنسان، وإثبات ونفي الرق، ومعركة حرية التعبير، والمقاومة وتسمية المطار، ومعركة استذكار مقتل العسكريين الزنوج، إضافة لمعركة أخرى تخص توتر العلاقات مع المغرب. كل هذه المعارك خاضتها موريتانيا التي يحكمها نظام انبثق أولا عن انقلاب، لكنه سرعان ما تمكن من تثبيت أقدامه في الحكم، بحصوله على الشرعية في استحقاقين رئاسيين متتالين، وبحصوله على أغلبية برلمانية مريحة وإن منتخبة في استحقاق قاطعته المعارضة. كانت سنة 2015 بامتياز سنة انطلاق واشتعال أم المعارك معركة الحوار التي لم تنته بعد، بل لا توجد مؤشرات على نهايتها قريبا. فبعد فشل حوارات 2009 و2013، والنحاج المحدود لحوار 2011، اختار الرئيس محمد ولد عبد العزيز مناسبة انطلاق النسخة الخامسة من مهرجان المدن القديمة في شنقيط ليجدد يوم الرابع من كانون الثاني/يناير 2015 «استعداده التام لحوار شامل يهدف إلى تحقيق المصلحة العليا للوطن». هذه الدعوة قوبلت برفض تام من طرف منتدى المعارضة الذي أكد «أن الرئيس ولد عبد العزيز بإعلانه عن استعداده للحوار الشامل، يكرس أسلوبا تعوده نظامه كلما كان البلد على أبواب استحقاق انتخابي». لم يهدأ السجال بين النظام الحاكم والمعارضة طيلة السنة حول الحوار الشامل، فبعد دعوة الرئيس للحوار وبعد اتصالات ووساطات، التقى ممثلون للأغلبية وللمعارضة في شهري نيسان/إبريل وايار/مايو، لكن الطرف الحكومي أوقف فجأة التفاوض من جهته ونظم دون مشاركة المعارضة الجادة التي وجه لها دعوة مع ذلك، لقاء تشاوريا من 7 حتى 14 أيلول/سبتمبر بمشاركة الجهات السياسية الموالية للنظام ومنشقين عن المعارضة. بعد فترة من السجال الساخن، اشترطت المعارضة الرد المكتوب الذي كان القشة التي قصمت ظهر الحوار إذ سبب هذا الشرط شرخا في المعارضة بين فريق رافض للقاء الحكومة قبل وصول الرد المكتوب، وفريق قابل للقاء قبل الرد المكتوب مع التمسك باشتراطه. والتقى الفريق المعتدل بممثلي الأغلبية مستهل كانون الأول/ديسمبر حيث جددت المعارضة طلب الرد المكتوب ليتضح بعد أيام أن الحكومة رافضة لذلك الرد فيعود الحوار للمربع الأول. شهد ملف موريتانيا لحقوق الإنسان بتفريعاته سخونة كبيرة، واختلف تقييم الحكومة والهيئات الحقوقية لهذا الملف حيث أكدت الحكومة أنها حققت انتصارات في المجال خلال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان الذي نظم في جنيف في الـ3 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 من طرف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بينما أكدت الهيئات الحقوقية المحلية أن الملف أصيب بلوثات متعددة خلال 2015. كان الحدث الأبرز في قضية الرق هو نفي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وجود العبودية في موريتانيا وتأكيده بأن آثارها تعود لمسلكيات الذين يعانون منها، فقد احتجت الهيئات الناشطة في محاربة الرق بشدة على هذه التصريحات واعتبرت «أن الرئيس يتنكر لمعاناة شريحة الحراطين». وشهد الشهر الأول من عام 2015، صدور حكم بالسجن مدة سنتين بتهمة المشاركة في تظاهرة غير مرخصة، في حق ثلاثة حقوقيين بارزين ناشطين في مجال محاربة الرق هم بيرام ولد الداه ولد اعبيد رئيس منظمة «انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)|» وإبراهيم ولد بلال رمضان نائب رئيس المنظمة وأدجيبي صو رئيس منظمة «كوتل| الحقوقية. وشهد العام نبش واستذكار ملف ساخن هو «مجزرة إنال» التي قتل فيها عام 1991، عدد من الجنود والضباط الزنوج، وتسبب هذا الاستذكار في سجن العقيد المتقاعد عمر ولد ابيبكر الذي حاضر عن المناسبة واعتبر متآمرا مع الزنوج. وتحدث المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان عن تعرض نشطاء حركة 25 فبراير المعارضة ومتظاهرو «بلد ينزف» للتعذيب والإهانة داخل مفوضيات الأمن والشرطة، كما تحدث عن منع عدد من الأحزاب والجمعيات من حقهم في الترخيص، وممارسة العمل السياسي والحقوقي، وحظر برنامج إذاعي، مع استمرار القمع الوحشي للتظاهرات السلمية للسياسيين والحقوقيين، واستخدام العنف غير المبرر ضد الاحتجاجات الطلابية والعمالية». ومن معارك 2015 معركة سببها مرسوم حكومي تضمن إطلاق مسمى «أم التونسي» وهي معركة من معارك المقاومة، على مطار نواكشوط الجديد، فقد أثارت التسمية جدلاً كبيراً حولها وحول المقاومة. واحتجت أرملة الرئيس الراحل مختار ولد داداه على عدم تسمية المطار على اسم زوجها مؤسس الدولة، وواجهت الحكومة الاحتجاج بإجراءات عقابية للهيئة التي تقودها الأرملة. وكتبت في هذه المعركة مقالات وتدوينات كثيرة حول المقاومة. شغل التوتر المخيم على العلاقات الموريتانية المغربية منذ أكثر من سنة الساحة السياسية والإعلامية طيلة السنة. واتضح أن إيواء المغرب لمعارضين بارزين لنظام الرئيس الموريتاني هو السبب الكامن وراء هذا التوتر. وظهرت مؤخرا بوادر مصالحة بعد زيارة وفد مغربي لموريتانيا ضم صلاح الدين مزوار وزير الشؤون الخارجية والتعاون، والجنرال بو شعيب عروب المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة العســكرية الجنوبية، ومحمد ياسين المنصــوري مدير الاستخبارات الخارجية. بهذه التناقضات التي لا تخلو من ثقل، تعبر موريتانيا نحو السنة الجديدة، والشاغل السياسي الملح فيها هو الوصول لإجراء حوار حقيقي تتفق فيه الأطراف على صيغة تخرجها من أزمتها الحالية ومشكلاتها المزمنة، وتؤمن لها تناوباً سلمياً على السلطة في المنعطف الكبير الذي ينتظرها عام 2019 تاريخ نهاية رئاسة الرئيس الحالي.