لا تهدأ هذه المبادرات، و لا يكف أصحابها عن مد سلم النجاة لنظام أتقن لف حبل المشنقة حول نفسه، و لم يعد ينقصه سوى من يركل الخشبة التي يقف عليها..
يثير ـ بدون شك ـ تكرار طرح مثل هذه المبادرات، و إعادة إنتاجها، و صياغتها، و الإضافة عليها، و تحسينها، مسألة استقلالية أصحابها عن النظام المتورط ، و يثير الريبة و الشك في نفوسنا حول أن تحركاتهم مبعثها الوحيد هو حماسهم لخدمة الوطن، و خوفهم على مستقبل البلاد، و ليس خوفا على النظام نفسه الذي فقد رئة يتنفس منها.
تبدو منسقية المعارضة في تعاطيها مع المبادرات المعروضة غير جازمة، و ترد ردا جميلا عليها، و هو أمر ليس بالمقلق فحسب بقدر ما هو مرعب; و ترجئ الرد النهائي عليها لما بعد حشدها الكبير اليوم: 23 يونيو، الذي سيكون في أحسن الأحوال رسالة سياسية قوية للنظام و القوى المتربصة، و للعالم الخارجي أيضا مفادها أن المنسقية قادرة على الحشد لمطلب رحيل النظام !
على المعارضة المطالبة برحيل النظام أن تفكر في أن مبادرة الحكومة الموحدة و الوزارات الثمان المعروضة علىها لا يمكن أن تمثل حلا سحريا لموريتانيا التي تعاني من تأزم خانق، عملت المعارضة على إظهاره ـ و لها مطلق الحق في ذلك من وجهة نظرنا ـ فالوضع الموريتاني أكثر تعقيدا من اختزاله في أزمة حكم فحسب.
منذ أشهر قلب انقلاب مالي معطيات كثيرة: فاقم مشكلة الانفصال الأزوادي، و طفت إلى السطح التنظيمات الإرهابية في الشمال المالي، و أبعد دولة مهمة في رباعي الساحل المستعد للانخراط في حرب شاملة على الإرهاب في المنطقة، و غيب نظاما تعول عليه الوحدة الإفريقية من خلال ديمقراطيته.
لقد كان التدخل الموريتاني في الأراضي المالية من خلال محورين:
• مطاردة القاعدة في عمق الأراضي المالية
• تشجيع حليف من سكان المنطقة على الانخراط في الحرب على القاعدة (أزواد)
و الرعاية الفرنسية "الغربية" لمطامح النظام الموريتاني ـ على الرغم من تحفظات و استياء الجزائر "أقوى دول الساحل الافريقي"ـ من خلال الحليف "ساركوزي" الذي ذهب، و ذهبت أيامه، و لكن ما تبقى من عقد و نتائج خطيرة لا يمكن لنظام لا يحظى بتأييد مزدوج (داخلي و خارجي) أن يعالجها.
و على أية حال فإنه لا بديل من مواجهة تلك النتائج، و محاولة معالجتها، و لا يبدو أن النظام الموريتاني قد تراجع عن دعمه للأزواديين (مؤتمر انبيكة لحواش، الحماس في تقديم الدعم الإنساني..)، و لا يبدو كذلك أن القوى الغربية تقبل باستمرار الوضع المالي على ما هو عليه الآن، و لا شك في أنها تضغط على النظام الموريتاني لإكمال "جميله" و إنهاء ما بدأه.
و قد يكون ذلك بتدخل عسكري مباشر للقوات الموريتانية، تعيد الشرعية الدستورية لمالي من ناحية، و تقلل فرص تضخم نفوذ القاعدة و التنظيمات الإرهابية من ناحية أخرى، و يغفر للنظام الموريتاني تجاوزاته في المرحلة السابقة .
و لا يبدو أن محمد ولد عبد العزيز منزعج من هذا التدخل الذي سوف يعطيه "دور البطولة" و يثبت للعالم أن موريتانيا شريك لا يقل أهمية ـ في الحرب على الإرهاب طبعا ـ عن الجزائر، و لا يمكن حصر المكاسب السياسية و المالية التي سيربحها النظام الموريتاني من هذا التدخل المحتمل، لكن هذا التدخل مرهون على الأرجح بهدوء أو صمت مطبق في الجبهة الداخلية لموريتانيا، إذ لا مجال للمغامرة بالدخول في حرب و هناك أصوات تطالب برحيل النظام، ليست أصواتا وحسب، و إنما حشودا تعتصم و تتظاهر، هذا مع وجود قادة جيش لم يتعود خوض الحروب، و رأي عام مسالم يكره الحرب.
سيقولون أن هذه المبادرات ستتيح للمعارضة المشاركة في السلطة، و المساهمة في الإشراف على الانتخابات التشريعية و المحلية، إن هذه التبريرات مغالطات للوقوع في فخ يجب عدم الوقوع فيه، فتتبع الأحداث و مجريات الأمور إقليميا يمكن من استشراف تدخل عسكري محتمل و سيكون التمهيد لذلك بتهدئة الوضع الداخلي و إسكات مطلب الرحيل، و جر المعارضة للتورط في المستنقع الكبير، لا حبا في إشراك المعارضة في الحكم، و لا سعيا للتشارك في الحكم، فولد عبد العزيز حسم أمره منذ سنين رافضا أية تشاركية مع المعارضة له في الحكم.
إنها الظروف الحالية فقط هي ما يملي عليه أن يهيض من جناحه بالرحمة عليهم ليحقق مآرب و أرباحا أكبر، و بالتأكيد فعندما تزول تلك الظروف سيعود إلى منهجه الإقصائي.
علي أن أقولها بشكل مبسط بعيدا عن لغة التحليل المنطقي الخشبية: حذار من الوقوع في هذا الفخ أيضا !
محمد ولد عبد العزيز سوف يفسخ الاتفاق بعد أول انتخابات..
محمد ولد عبد العزيز سوف يدخل جيشنا في حرب لصالح الغرب و لوضع نياشينه الخاصة على صدره..
حذار من الفخ مرة أخرى.. أيضا..
23 يونيو 2012