أضحت الأوضاع الأمنية في شمال مالي، مصدر صداع جدّي للسلطات الجزائرية، التي أصبحت محاطة بأزمات أمنية وقلاقل اجتماعية وسياسية من جميع جهات حدودها، وتأتي الدعوات الغربية بطرح إمكانية اللجوء للحسم العسكري في أزمة المناطق الشمالية لمالي، لتزيد من المتاعب الجيوسياسية للجزائر.
وترفض السلطات الجزائرية اللجوء إلى الحل العسكري في شمال مالي، وتشدد على ضرورة ترك الفرصة للحل السلمي الذي لا يزال ممكنا، وهو الموقف الذي تسانده ـ على الأقل ظاهريا ـ الحكومة المركزية في باماكو، ويجسد هذا تأكيدات الوزير الأول المالي بالنيابة، الشيخ موديبو ديارا، بأن الأزمة الأمنية التي تعيشها المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لبلاده يجب أن تحل بالطرق السلمية، وعبر حوار يجمع فرقاء الأزمة، مثلما صرح به عقب زياراته التي قادته إلى كل من الجزائر وفرنسا وموريتانيا وبوركينافاسو.
وعلى الرغم من اتفاق جلّ الدول المجاورة لمالي على وجوب تسبيق الحل السلمي للأزمة، إلا أن نذر الحرب والحسم العسكري، بدأت تلوح في الأفق، ويمكن أن يستشف هذا التوجه من خلال التصريحات المنسوبة لدبلوماسيين غربيين على صلة بالملف الأمني في منطقة الساحل.
وتصبّ التصريحات الأخيرة التي صدرت على لسان السفير البريطاني في الجزائر، مارتن روبر، خلال زيارته لولاية بجاية، ومما جاء فيها أن بريطانيا "تدرس دعم الجزائر بالوسائل السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية لمواجهتها التهديدات الأمنية الخطيرة في شمالي مالي" بعد سيطرة الحركة الوطنية للأزواد والجماعات الجهادية على إقليم أزواد المجاور لها، مثلما أوردته وسائل إعلامية.
ولم تطلب السلطات الجزائرية الدعم من أية قوة غربية أو محلية لمواجهة التحديات الأمنية التي تهدد جنوبها الكبير، ببساطة لأنها قادرة بإمكاناتها الخاصة على تأمين حدودها من أي تهديد محتمل، وكذا لأن أي تدخل خارجي في منطقة الساحل سيزيد من تعقيد الوضع أكثر، وذلك استنادا إلى تجارب حيّة مثل أفغانستان والعراق.
وفي ظل هذه التجاذبات، يحل اليوم بالجزائر نائب وزير الخارجية البريطاني، المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أليستر بيرت، في زيارة تستمر يومين ينتظر أن يتناول خلالها مع المسؤولين الجزائريين وسائل العمل لمواجهة التوتر في شمالي مالي، وفي مقدمتها ضمان صيانة الوحدة الترابية للجارة الجنوبية للجزائر.
بالنسبة للطرف الجزائري، المحادثات التي ستجرى بين الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، عبد القادر مساهل، والوزير البريطاني أليستر بيرت، "تدخل في إطار الحوار السياسي المنتظم بين الجزائر والمملكة المتحدة وتستجيب للإرادة المشتركة بين البلدين من أجل تكثيف تعاونهما الثنائي في جميع القطاعات"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، عن الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الخارجية عمار بلاني.
كما تتناول أيضا "أهم القضايا السياسية والإقليمية والدولية، سيما الوضع السائد في منطقة الساحل مع التركيز على أزمة مالي والوضع في سوريا والإرهاب الدولي، بالإضافة إلى جملة من الملفات الثنائية المتعلقة بتعزيز المبادلات والاستثمارات من أجل تكثيف علاقات التعاون والتشاور المميزة القائمة بين البلدين".
الشروق الجزائرية