كثيرا ما أتساءل بعد مشاهدة أي حفلة من حفلات التوشيح والتكريم الرسمي التي عادة ما تنظم مع الاحتفالات المخلدة لذكرى الاستقلال: من أين جيء بهؤلاء الموظفين الموشحين؟ وكيف تم اختيارهم؟ وبِمَ تميزوا عن غيرهم من الموظفين حتى يكرموا؟ ويؤسفني أن أقول لكم بأني لم أكن في أكثر الأوقات أحصل على إجابات مقنعة.
وللأسف فإن الأمر لم يعد يقتصر فقط على التكريمات والتوشيحات الرسمية بل إنه امتد واتسع في السنوات الأخيرة إلى أن وصل إلى تلك التكريمات التي تعودت بعض منظمات المجتمع المدني على أن تنظمها مع نهاية كل عام. لقد تم تمييع كل شيء في هذه البلاد، ولقد وصل الأمر إلى التوشيحات والتكريمات والتي كان من المفترض أن تبقى حكرا لأولئك الذين تميزوا في مجال أعمالهم وتخصصاتهم، فإذا بهذه التكريمات والتوشيحات تمنح لكل من هب ودب، ولا يحرم منها إلا أولئك الذين يستحقونها فعلا.
إن المبدعين والمتميزين في بلادنا لا حظ لهم ما داموا أحياء يرزقون، أما إذا ماتوا فإن المحظوظ منهم قد ينظم له حفل تأبين، أما الأكثرية من هؤلاء المبدعين والمتميزين فإنها قد لا تحظى حتى بمجرد حفل تأبين من بعد الموت، ليتم نسيانها من بعد الموت كما تم تهميشها وتجاهلها وهي لا تزال على قيد الحياة.
بالتأكيد فإن لكل قاعدة استثناءات، وهناك استثناءات في هذا المجال، وهناك متميزون ومبدعون قد تم تكريمهم وهم أحياء يرزقون، ولكنهم يبقون مجرد قلة قليلة جدا، ولا يمثلون إلا مجرد حالات استثنائية تؤكد بأن لكل قاعدة استثناء.
ولإعادة الاعتبار للأوسمة والتكريمات فقد كنت ضمن مجموعة من الموريتانيين حاولت دائما أن تكرم أولئك الذين يستحقون التكريم فعلا، وخاصة إن كانوا من أولئك العظماء البسطاء الذين يعملون في صمت وتواضع ولا ينتظرون من ذلك جزاءً ولا شكورا. وفي هذا الإطار يتنزل حفل التكريم الذي نظمناه لأستاذ الرياضيات المتميز "محمد المختار ولد الهادي"، والذي يتفق جميع طلابه الذين درسوا عليه خلال الثلاثين سنة الأخيرة على تميزه وجديته ومثابرته وحسن خلقه.
لقد ارتأينا في مجموعة طلاب "محمد المختار ولد الهادي" أن نتقدم في الحفل المذكور بمطلبين ملحين وفي غاية الأهمية: أولهما إلى السلطات الرسمية، والتي نطالبها بتوشيح هذا الأستاذ المتميز بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال الوطني. فمثل هذا التوشيح قد يضفي شيئا من المصداقية على الأوسمة التي ستوزعها السلطات الرسمية بمناسبة الاحتفال بذكرى الاستقلال لهذا العام.
أما المطلب الثاني فإننا نتوجه به إلى كل من جلس يوما على مقعد الدراسة، إننا نطلب من جميع الطلاب ومن مختلف الأجيال أن يتذكروا أستاذتهم ومعلميهم المتميزين، ونطلب من كل مجموعة منهم أن تكرم من تميز من أساتذتها ومعلميها، وليكن ذلك في يوم الثامن من نوفمبر من كل عام، والذي نتمنى أن يتحول ابتداءً من عامنا هذا إلى يوم شعبي لتكريم الأستاذ والمعلم.
إن الأوسمة الشعبية لها قيمتها الكبيرة، وهي قد تكون في كثير من الأحيان أكثر أهمية من الأوسمة الرسمية، ولذلك فعلينا أن لا نبخل بتقديم تلك الأوسمة لمن يستحقها فعلا.
لقد أصبحت اليوم على قناعة تامة بأهمية تعميم فكرة الوسام الشعبي حتى تشمل كل من يستحقها، ولقد توصلتُ لهذه القناعة بعد أن أتيحت لي الفرصة لأن أشارك في تكريم موظفين متميزين، أحدهما أصبح اليوم متقاعدا، وهو رقيب الشرطة "الشيخ صار"، والذي لا شك أن العديد منكم سيتذكره كلما مر في أيام الزحمة هذه بملتقى الطرق الواقع بين نادي الضباط ووزارة البيئة. أما الموظف الثاني فهو أستاذي: أستاذ الرياضيات المميز "محمد المختار ولد الهادي"، والذي نظمنا له حفلا تكريميا مساء الثامن من نوفمبر بفندق "موري سانتر".
أذكر أننا لما نظمنا حفلا تكريميا لرقيب الشرطة المتقاعد "الشيخ صار" منذ ما يقترب من خمس سنوات، وتحديدا في يوم الأحد الموافق 19 ـ 12 ـ 2010 ، أذكر أنه اتصل بنا مفوض الشرطة الذي كان يعمل معه الشرطي المكرم، اتصل بنا بعد أيام قليلة من تنظيم الحفل، وذلك ليبشرنا بأن وزارة الداخلية قد اتخذت قرارا بتوشيح الشرطي "الشيخ صار" من قبل تقاعده.
أتمنى أن تتكرر البشرى، وأتمنى أن تقرر رئاسة الجمهورية توشيح الأستاذ "محمد المختار ولد الهادي" بمناسبة الاحتفالات المخلدة للذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال الوطني، وعموما فإن الرابح هو من سيكرم الأستاذ "محمد المختار ولد الهادي" لأنه بذلك التكريم سينال إعجاب الآلاف، إن لم أقل عشرات الآلاف من طلاب هذا الأستاذ، والذين هم اليوم يشكلون العمود الفقري في كثير من كبريات الشركات والمؤسسات الوطنية. حفظ الله موريتانيا..