يحكى أن عبد الملك ابن مروانْ كان قبل الإمارة والسلطانْ, والسطوة العاتية والصولجانْ, كان من طلبة سعيد ابن المسيب, فى المدينة المنورة, وكان من أشد الطلاب إصرارا, على طلب العلم واقتدارا, كان مشمرا للتعليم والعبادة, زاهدا فى الدنيا والإمارة, لا يقيل الهوا جر بالنهارْ, ولا يهجع بالليل والأسحارْ, قال: يحي الغساني وكان من ضمن جيش أرسله يزيد ابن معاوية إلى عبد الله ابن الزبير بقيادة مسلم ابن عقبة قال: لما نزل مسلم المدينة دخلت مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام, فجلست إلى جنب عبد الملك ابن مروان فقال: لي أمنْ هذا الجيش أنت فقلت: نعم قال: ثكلتك أمك أتدري إلى من تسيرون, إلى أو ل مولود فى الإسلام, وإلى ابن حواري النبي صلى الله عليه وسلم وإلى ابن ذات النطاقين وإلى من حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بيديه الشريفتين, أما والله إن جئته نهارا لتجدنه صائما, ولئن جئته ليلا لتجدنه قائما, فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله فى النار جميعا, ويضيف فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا إلى عبد الله ابن الزبير مع الحجاج حتى قتلناه. سبحان القادر على ما يشاء, ومما يحكى عن عبد الملك أيضا: أنه كانت له مرضعة وقد عهدته شابا جلدا مشمرا للعبادة, قبل أوان الحكم والريادة, قدمت عليه وهو في مركز سلطانه, ومعقل عزه وأعوانه, فرحب بها, وأكرم وفادتها, فقالت: له متعجبة من تغير الأحوالْ, وقد عرفته كأنبل ما يكون من الرجالْ, بلغني يا بني أنك شربت الطلاء, فرد عليها متهكما وشربت الدماء. تذكرت هذه الحكاية, وتأملتها مستغربا للغاية, وأنا أقف مشدوها أنظر إلى ما يقع في ليبيا واليمن وسوريا من القتل والتنكيل, والخوف والقهر والعويل, وأنات الجرحى واليتامى, وآهات المشردين والأيامى, أرواحٌ هناك تنهبْ, وبنات فى الطرف الآخر تغتصبْ, فلا تسل ما فعلت الكتائب بالثوارْ, وما روعتْ وعذبت وأحرقتْ شبيحتُ بشارْ, وأصبحت جثث الشباب فى الساحات صرعى, فسل إن كنت ذا عمه مصراطة ودرعا, كم من بيوت ومدن هدمتْ, وكم من نفوس أزهقت و عذبتْ, كم من طفل بريء في ريعان شبابه قتلْ, وكم من حُر أبي نكل به واعتقلْ, البلدان والأوطان صارت خرابا, والأهل والسكان أوغلوا اغترابا, فما من خل عن خليله يسألْ, وما من جار عن جاره كيف تحولْ, بعدما كانت النفوس عامرة بالود والصفا(ء), أصبحت بعدما وقع قاعا صفصفا, بعدما كان شعرائها يتغنون بأمجادها سامدين, إذا بهم فى المنافي مشردين, يغازلون الطيف منها بالبكرة والأصيلْ, ويأتسون فى الغربة بالملك الضليلْ:
بكى صاحبي لما رأي الدرب دونه***وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبكي عينك إنما***نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وجدير بالذكر أن الكثير من المشردين اليوم لا يبحث عن ملك ولا إمارة, ولا رئاسة ولا وزارة, وإنما عن أقل قدر من الحرية والكرامة, وأبسط ممكن من العدل والشهامة, في زمن عز فيه الحكام المقسِطون, وكثر فيه جدا الظالمون والمرجفون, إن عبد الملك ابن مروان الآنف الذكر, مع غطرسته وجفائهْ, وعنجهيته وكبريائهْ, يروى عنه أنه كان إذا قدم عليه رجل من أفق من الآفاق, قال: له أعفني من أربع وقل بعدها ما شئت, لا تكذبني فإن الكذوبَ لا رأي له, ولا تجبني فيما لا أسألك عنه فإن فيما أسألك عنه شغلا, ولا تطريني فإني أعلم بنفسي منك, ولا تحملني على الرعية فإني إلى الرفق بهم أحوج، فمن لنا اليوم بمثل عبد الملك ابن مروانْ, أو الوليد ابنه ذي الطيش والطغيانْ, بل ليت لنا بمثل المبير الحجاجْ, فقد يكون اليوم أقل دكتاتورية و إزعاجْ, كم: يهتك اليوم من محارم وأستارْ, ومن دم يراق في بلاد المجاهد عمر المختارْ, كم: يحدث اليوم من التقتيل والتنكيل والدمارْ, بيد الجيش العربي السوري الجرارْ, يا للعار يا للعارْ, يا قائد يا بشارْ, وخوفا من التطويل الممل وفى الختامْ, أسئلة غاية فى البساطة والوئامْ, هل ضعُف الإحساس البشري لدى هؤلاء الحكامْ, حتى صاروا لا يميزون بين النور والظلامْ, يسقون: شعوبهم الموت الزؤامْ, ويرقصون على الجثث والجلود والعظامْ, هل الحرص على البقاء أعماهمْ, أم الحفاظ على الكراسي أغواهمْ, ألا يسمعون الأنين من الرجالْ, ألا يرحمون دموع النساء والأطفالْ, ألا يرحمون أمة تاهتْ بين الأممْ, ألا يأنفون من الفضيحة والشتائم والتهمْ, أيحسبون أنهم في ملذاتهم دائمونْ, أم يتصورون أنهم فى القصور مخلدونْ, كلا وهيهات إنهم راحلونْ, وعما اقترفت أيدي زبانيتهم يسألونْ, ألا (يقون أنفسهم وأهليهم من النارْ), أما يخافون العزيز الجبارْ, أما يرتعدون أمام البطش والانتقامْ, أوان (الأخذ بالنواصي والأقدامْ), فطوبى لمن وعى فادكرْ, وذكر فتذكرْ, طوبى لحاكم حكَّم العدل في رعيتهْ, وكف عنها البغاة من زبانيتهْ, طوبى لحاكم لم يشغله التمتع و التلذذ بحاله, عن التدبر والتفكير في مئال مئاله, كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يبكي فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فقال: لو عثرت بغلة بالعراق لسألني الله عنها لم لمْ تمهد لها الطريق يا عمر, فانظروا كيف كانت مخافته, من ربه واستجابته لأوامره وإنابته, فأين أنتم منه يا حكامنا (....) هل الكراسي تستحق كل هذا؟؟؟ ألا لعنة الله على الكراسي: ما أغواها, ألا لعنة الله على الكراسي ألا لعنة الله على الكراسي ألا......تبا تبا تبا... سحقا سحقا سحقا..... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, عليه توكلت وإليه أنيب, والسلام على من اتبع الهدى.
المصطفى بن أمون كيفه موريتانيا,
بتاريخ: 22/05/2012م
بريد أالكتروني