في السادس من أغسطس ركب العسكري "بول تيبيتس" طائرته بكل تهور ووحشية وأسقط القنبلة الذرية على هيروشيما وفي نفس اليوم وفي غفلة من التاريخ ركب عسكري "آخر" رأسه ودبابته متحديا كبرياء شعب وإرادة أمة ولسان حاله: ماعلمت لكم من إله غيري وقرر الانقلاب على نظام تم انتخابه بشكل نزيه رغم الملاحظات المأخوذة على الانتخابات والتي كان سببها المباشر شخص واحد ليس إلا "العسكري "نفسه.
انقسم الشارع الموريتاني كعادته بين مؤيد ومعارض ، غير أن حجة الموالين كانت داحضة لحد السذاجة . ووقف الرأي العام الدولي مع المعارضين للانقلاب.
وفعلا كتب المعارضون للانقلاب بمسيراتهم واعتصاما تهم سطورا ذهبية في جبين التاريخ الموريتاني الحديث ولو أنهم صدقوا وصبروا لكان خيرا لهم. ولكان العالم الآن يتكلم عن الثورة التونسية كتقليد للموريتانية وهلم جرا.
فمن الموضوعية بمكان أن نسمي التحرك الشعبي ـ أنا ذاك ـ بالثورة، لو وجد إصرار المعارضة التونسية وجرأة المصرية وشجاعة ليبيا. لكنه اصطدم بصخرة الطمع الموريتاني ، فتلاشى الحلم الجميل في دكار. كان ثورة لان الشعار المرفوع كان نبيلا ولأن النظام كان مستبدا وظالما . إنها فرصة العمر التي أتت لموريتانيا ولكن المعارضة "الطامعة " لم تعرف كيف تستغلها لصالح الوطن لأنها ببساطة ، لاتعرف الإبداع ، وإنما التقليد "المشوه" فقد أعماها الطمع عن كشف عورات اتفاق دكار. فشرعت النظام إبداعا وهاهي ترفع شعار إسقاطه تقليدا .
نعم إنه الجهل المتفشي في النخبة السياسية الموريتانية لما يسمى "الإبداع" والإدمان المستمر على استنساخ التجارب وتقليدها ومن دون وضع بصمت الخصوصية عليها.
إن الوجوه التي تطالب اليوم باسقاط النظام هي نفس الوجوه التي ضيعت من الشعب الموريتاني فرصة التاريخ ليصنع ثورة عادلة ، لاتحركا لأجل المحاكاة.
منع بعض معارضة "اليوم " الشعب من تلك الثورة ، بوجوده في ركب الانقلابيين يومها ،لأن مصلحته الضيقة كانت تقتضي ذلك ، ولما اكتشف بعض هذا "البعض" أن "العسكري" قرر الترشح، ثارت ثائرته وانضم ـ دون أن يتحسس مياه الوجه ـ إلى الثائرين .
ثم قرر الجميع بيع القضية بعيدا عن أعين الشعب الموريتاني واختاروا لذلك دكار.
رضوا من الثورة بعدة وزارات يعبثون بها في مدة قصيرة تعيينا ونهبا.
ولوح بعضهم للعسكري المنقلب على الشرعية باستعدادهم لدعمه ، وما إن أعلنت نتائج الانتخابات حتى تساقط بعض المتحمسين اليوم لإسقاط النظام عند أحذية "العسكري" في سباق نحو الاعتراف بفوزه واستدرارا لتعاطف قد تجلبه الأيام القادمة .وتنكر آخرون لتلك النتائج . غير أن سياسة الأمر الواقع كانت كفيلة بعودة "حليمة لعادتها القديمة".
وعاد المشهد السياسي الموريتاني "لحربائيته " فحسب المصالح الشخصية يعترف بالانقلابات ويثور عليها ويعترف بشرعية الأنظمة ويطالب بإسقاطها.
ومن حق الشعب الموريتاني في الذكرى الثالثة لاتفاق دكار أن يتذكر ثورة ضاعت لأنه كان في ضياعها مصالح أفراد وهو مدعو أكثر من أي وقت مضى للوعي بمصلحة وطنه واخذ زمام المبادرة بنفسه وسحب البساط من نخب أفلست وآن لها أن تختفي وترحل: فلانريد عزيزا ولا الثائرين عليه فليرحلوا جميعا ويبقى الوطن.
فهناك فرق شاسع بين الصادقين والمتمصلحين كما هو الفرق بين دبابة العسكري وطائرته .