مرت؛ حتى الآنن سنة كاملة وتزيد على انطلاق عملية التقييد في سجلات الحالة المدنية التابعة للوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة، والتي عهد إليها بتسيير وضبط الحالة المدنية الموريتانية، لتبدأها من الصفر في تجاهل صارخ للمكاسب التي تحققت سابقا والتي أفرزت بطاقة تعريف غير قابلة للتزوير بشهادة الفاعلين السياسيين والمراقبين الدوليين. عام كامل لم يتجاوز فيه عدد المستفيدين من عمليات التقييد 800 ألف مواطن، حسب إحصائيات الأربعاء الماضي، أي بمعدل يفارب 2192 شخصا يوميا على عموم التراب الوطني، رغم استخدام 53 نقطة اتصال تضم 5 نقاط موزعة على الجيش والدرك والحرس والامن وامن الطرق. الوكالة أدركت؛ على ما يبدو، أنها تسير بالعرض البطيئ وأن السكان بدأوا يتململون من صعوبة تخطي الحواجز والعراقيل التي دأبت على وضعها أمامهم منذ مباشرتها لعملية التقييد، فاستنجدت بشركة موريتل للاتصالات بغرض توفير 216 نقطة اتصال جديدة مربوطة بشبكتها الحالية، لتوسيع دائرة المستفيدين لتشمل البلديات الريفية. لم تكن مظاهر التذمر الجماهيري وليدة تراكمات، بل إنها بدأت مع انطلاقة عمليات التقييد التي اعتبرها بعض الزنوج نوعا من محاولة الإقصاء وسحب الجنسية، ودفعهم لأن يكونوا أجانب في وطنهم؛ كما دأبوا على قوله، منذ إنشائهم لحركة أسموها 0لا تلمس جنسيتي)، يسعى خطابها المعلن إلى إيقاف التسجيل. الحركة لم تلتزم بالطابع السلمي في تحركاتها المناهضة لاستمرار عمليات تقييد السكان وفق الضوابط التي تراها معيقة وانتقائية، بل انها لجأت إلى استخدام العنف في خرجات تفتقد الترخيص القانوني في نواكشوط وروصو وكيهدي ومقامه، التي سقط فيها قتيل من الحركة فيما عرف بأسبوع الغضب الزنجي. إلا أن الوكالة المعنية بتنظيم عملية التقييد سرعان ما رضخت لمطالب الزنوج المحتجين وبادرت بإلغاء معظم الاشتراطات التي كانت تقف حجر عثرة أمام نسجيل الكثير من المواطنين، وكان آخر ما تم إلغاؤه إلزامية إحضار نسخة من بطاقة التعريف. الأجهزة الأمنية كانت أبرز المغيبين عن العملية رغم خبرتها الطويلة في مجال التعامل مع هويات المواطنين والمقيمين الأجانب، وظلت كذلك حتى قبل شهرين من الآن عندما أدركت الوكالة حجم التحدي الذي يواجهها في التثبت من الهويات، فعادت واستعانت بالأمن، صاحب الاختصاص، وكأن الحالة المدنية أصبحت حقل تجارب لوكالة تقييد السكان، فكان استثناء المصالح المعنية هو الأصل، والاستعانة ببعضها استثناء. وتتحدث مصادر شديدة الإطلاع على تفاصيل العملية التي تدار بها الوكالة بأن بطاقة التعريف الجديدة ووثيقة الازديادة المترتبة عن عملية التقييد ليستا مؤمنتين بالشكل الكافي الذي يمنع تزويرهما لاحقا. وتمضي المعلومات المتداولة على نطاق واسع في القول إن جواز السفر البيومتري لم يخضع للمعايير الفنية المطلوبة، فشريحة معلوماته تبدو صلبة للغاية وقابلة للانكسار في حال تعرضحها لأبسط إهمال، عكس ما هو معتمد في بقية الدول، التي تخزن قاعدة البيانات في ورقة مرنة؛ رغم عمق شعوبها الحضاري الضارب في الجذور. وزير الداخلية صرح أمام النواب في دورة برلمانية سابقة أنه سيكون بمقدور المواطنين المقيدين تسلم بطاقات تعريفهم الجديدة خلال شهر يناير 2012، وللتذكير فقد تجاوز تاريخ الوعد الوزاري بأكثر من ثلاثة اشهر دون أن تلوح في الأفق بوادر الوفاء به. وإذا ما نظرنا إلى جانب التكلفة المادية لمشروح الحالة المدنية الجديد، فلا مجال لمقارنته بالمشروع المغتمد منذ أكثر من عشر سنوات، والذي تم إيقافه بجرة قلم دون تقديم أبسط تبرير، رغم جودة الوثيقة الأولى التي صدرت عنه، ويتعلق الأمر ببطاقة تعريف غير فابلة للتزوير. المشروع الجاري كلف خزينة الدولة 14 مليار أوقية، تصرف يعيدا عن أعين الرقابة المالية، بينما وضع الأمنن بالتشاور مع شركة فرنسية مختصةن تصورا لتكلفة إتمام النظام البيومتري لبقية الوثائق لا تتجاوز تكلفته 500 مليون أوقية في المشروع الأول. ومع أن ميزانية الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة بهذا الحجم الكبير، مع أنها لا تؤجر مقرا، فإن عمالها لم يستلموا مرتباتهم منذ عدة أشهر.. ليفرض التساؤل عن مصير الأموال المرصودة لها نفسه. فالمقرات عبارة عن دور الكتاب، وأغلب السيارات التي تستعملها موروثة عن اللجنتين المستقلتين للانتخابات خلال الفترتين الانتقاليتين الأولى والثانية، وإلى جانب ذلك فتحت الوكالة بابا للمداخيل من خلال بيع الجوازات على طريقة (كل شيئ بألف) المعهودة في أسواق نواكشوط، فجواز 30 صفحة ب 30 ألف أوقية، وجواز 100 صفحة ب 100 ألف أوقية، وربما ستجدون في المستقبل القريب جوازا بمليون صفحة يعوض عنه مليون أوقية. ولكي تصنع الهالة والأبهة حول شخص مدير الوكالة، المقرب والقريب من الرئيس، أضيفت له عبارة الإداري، التي ظل مدير الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) مستأثرا بلقبها منذ استقلال البلاد قبل 52 عاما. وفي ظل العقبات الكثيرة التي يضعها الإحصاء الجديد أمام المواطنين على أكثر من صعيد، تبقى الجاليات الموريتانية في الخارج في وضعية البدون، كلما أشرفت أوراقها الثبوتية على مرحلة التجديد الذي بات مستحيلا لمن لم يقيد في سجلات الوكالة ومن نافلة القول الإشارة إلى أنه ليس بمقدور كل مغترب أن يعود إلى بلاده لمجرد التقييد والعودة إلى مكان عمله. إن رصد هذا المبلغ الكبير من ميزانية الدولة، والمعفي من عمليات التفتيش، وذلك باسم إنجاز حالة مدنية تجاوزت مراحل كثيرة، وأشرفت على إكمال مشروعها بأقل التكاليف، في ظل الحديث عن الشفافية وترشيد ممتلكات الدولة، لدليل قاطع على أن الهدف من ذلك؛ علاوة على النهب المنظم، يكمن في محاولة رصد ممتلكات الاخرين ووضعها تحت الرقابة ليتسنى للقائمين على الشأن العام معرفة الغني من الفقير، فيسهل تفقير الغني، وزيادة الفقير فقرا على فقر.. هكذا يتحدث المتابعون. ولعل التساؤل الأبرز المرسوم على شفاه المتابعين هو: متى ستنتهي عمليات تقييد السكان؟، وما مصير الانتخابات المرتبطة بإنجاز المهمة؟
السفير