تحت عنوان سابق كهذا سطّر قلمي - الذي يعشق هذيان التمرد والثورة على فلسفة السيدة الأولى في فرنسا فترة طغيان طبقة النبلاء - مقالا يبدو أنه أثار حفيظة بعض الأهل الذين أحبّهم وأقدر لهم إشفاقهم على إخوتي المنتخبين في مقاطعتنا معا (باركيول).
بعض الأهل الأقربين نصحني - بشيء من كبرياء وعزة نفس- في سعي منهم لحفظ "عفّة " قلمي الذي يدمع مداده في قضايا الأمة الكبرى: كإجهاض مشروع النهضة العربية الإسلامية بسبب سيطرة بؤر التخلف وقوى الرجعية على فكر التنوير الذي حمل مشعله كل من محمد عبده ورشيد رضا وجمال الدين الأفغاني ومالك بن نبي وطاهر حداد ومحمد عابد الجابري ، كي لا ألوث عظمة قلمي هذا بأشياء محلية كنقدي لأشخاص محليين جدا مثل "نواب" مقاطعة باركيول وشلّتهم المنتقات...
قلمي رغم تعلقه بهذه الأشياء الكبرى يظل دوما يحن للمحلّية خاصة إذا كانت بنكهة باركيولية، الشيء الذي يجعلني أعود بعد رحلة في فضاء الهوية الدينية والحضارية للأمة ، ومرارة طلاء تراث الأنحطاط وسجن المرأة وإشاعة الخرافة وسطوة الهيمنة الذكورية في عملية إحيائية للعهد الجاهلي، يوم كان صوت العصبية والثأر والوتر لا يعلو فوقه صوت، أعود لحضني المحلي حتى ولو كانت تلك العودة مجرد استراحة محارب ..!!
قد يتهمني بعض الأهل في البيت الباركيولي السعيد والغالي على النفس المطمئنة لضرورة النقد البناء بالمشاكسة، وبما أنني محصّنة –على الأقل نفسيا- من عقدة التأثر من نقد الآخر خاصة إذا كانت المساحة بيننا تفتقر لنكهة الندية في الجانب العلمي والأكاديمي، فإنني اسامحة بسبب الأخوة، ووشائج الرحم والقرابة التي يكفي منها شربنا معا من ماء أرض آفطوط العذب.
إن أشياء مدينة باركيول أشيائي التي يعذبني صغيرها عاطفيا، وأهتم بكبيرها الذي يستدعيني لجاجه للكتابة عنه علميا، وبين العلمية والعاطفية تتراء صورة مدينة باركيول وأحوازها قلعة شامخة من العظمة والشموخ ، هي التي أنجبت يوما قلما يتهمه البعض - معذورا – بالمشاكسة ويرى آخرون فيه غير ذلك، وبين الرأيين تشق سطوري بخطى واثقة طريقها، ومهما قيل ستظل " كلماتي سفيراتي مراي خواطري" .
فنواب المقاطعة وشلّتهم قد نالوا اهتمامي بمحليتهم التي أجدني أتقاسمها معهم في شقي المحلي داخل بيتي العائلي... ترصدي لاخطائهم مسؤولية تفرضها علينا المقاسمة لتلك الخصوصية الذاتية التي تجعلنا بشكل عفوي لا دخل لنا فيه كلنا أعضاء في المنظومة الاجتماعية والسياسية لمنطقتنا التي ننتمي لها رغم تفاوتنا في تلك المحلّية وذلك الأنتماء.
السادة المنتخبون وشلّتهم قد شغلتهم أعمالهم وذاتيتهم عن هموم المقاطعة التي تحسن وضعها حيث قطعت أشواطا عندما التزم فخامة رئيس الجمهورية يوما في لقاء مباشر بالمواطنين وبدون وسيط بذلك، في مجال الطريق والإنارة ومشروع مياه سد فم لكليت .
هذا ما تحقق على المستوى العمودي، أما المستوى الأفقي الذي هو من أختصاص المنتخبين الذين يجب عليهم - بقوة القانون الانتخابي قبل العرف والأخلاق- تحقيقه لدوائرهم التي انتخبتهم رغم طبيعة ذلك الإنتخاب، فقد تعطل بفعل سياسة اللا مبالات التي تنشأ عادة من طغيان نزعة "أنا ومن بعدي الطوفان". التي تترجم: "ما يهمني هو أنا بطريقتي التي أريد لها أن تكون محور الاهتمام ودائرة الضوء" هذا هو الحديث النفسي للسادة المنتخبين وشلّتهم، وحديث النفس للنحاة وأهل المنطق منه موقف لا تخطؤه الآذان.
بسبب هذه السياسة كانت النتائج التالية:
استفحلت الزبونية الضيقة وتم تغييب الكادر البشري الأحسن كفاءة .
تم استغلال المكانة السياسية لأغراض ذاتية بشراهة.
تراجع الخطاب السياسي والحضاري لمشروع فخامة رئيس الجمهورية تاركا الساحة لأحزاب المعارضة، الشيء الذي نتج عنه خسران خمس بلديات من أصل ثمانية ، فلا نشاط ولامقر لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية في باركيول ، الحزب الذي يمثل الإطار الأساسي والمرجعي لمشروع السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
عدم التبليغ بوضعية التمدرس في المقاطعة خاصة أن هذه السنة سنة للتعليم كما أعلن عنها السيد رئيس الجمهورية، فكل المدارس في المقاطعة ونواحيها غير مكتملة الفصول وكذلك الطاقم البشري الذي يعتريه العوز في الكم والكيف، أشياء التعليم في احتضان السادة المنتخبون وشلّتهم التي تلتقي على موائد اجتماعات التعارف هنا في نواكشوط بطريقة ممعنة في إهانة هذه المقاطعة والسخرية من وضعها...!!!.
جانب تنمية هذه المقاطعة ذات الخصوصية الزراعية والرعوية هو الأكثر غياب عن ذهنية المنتخبين.
يتواصـــــــــل......
بقلم: د/ تربة بنت عمّار أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة نواكشوط