يبدو أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وكما هو دأبه في أغلب خطاباته الجماهيرية وجل قراراته السياسية لم يفكر في الوعد الذي قطعه على نفسه حين خرج من القصر الرمادي ونزل من برجه العاجي إلى مئات المواطنين الغاضبين من محرقة الكتب الفقهية متعهدا لهم بتطبيق الشريعة الإسلامية في بيرام وأتباعه على فعلتهم التي فعلوها.
الرئيسٌ الذي استقبل المتظاهرين بحماسة لم يعتادوها منه حين يطالبون بحقوقهم المشروعة والمتمثلة في خفض الأسعار وتوفير المياه والكهرباء وتوظيف العاطلين عن العمل... أراد أن يستغل عواطفهم في بدا أنه لكنه لم يكن يعي ما يقول في مجمل كلامه الذي تفوه به على مرأى ومسمع من العالم، حيث أكد أنه "سيحاكم بيرام" ورفاقه طبقا للشريعة الاسلامية التي قد تحكم عليه بالقتل باعتباره زنديقا كما قال أغلب الفقهاء.
وقد برهن الرئيس بهذا التصريح على أن القضاء الموريتاني بعيدا كل البعد عن الحياد والاستقلالية بل يخضع لمزاج الرئيس ورغباته النفسية، ثم إن تعهده بتطبيق الشريعة في حق بيرام سيلاقي في تنفيذه عدة مشكلات أحلاها سيكون في غاية المرارة.
فهو حين يطبق الشريعة في بيرام وأتباعه وحدهم دون ما سواهم من آلاف الجناة الذين تعج بهم السجون الموريتانية، سيتهم بالعنصرية من جهة وسيكون مخادعا لله ولرسوله وللمسلمين من جهة أخرى لأنه يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض حيث حكم على فئة من الناس طبقا للشرع الكريم بينما لم يفعل ذلك مع بقية الجناة في السجون.
كما أن قتل بيرام على أية حال سيزيد الطين بلة ويوتر علاقاته من جديد على ما كانت عليها مع حركة إيرا، وزيادة على ذلك سيٌدخل في ورطة أخرى تجعله يدور في عاصفة إعلامية وسياسية من قبل منظمات حقوق الإنسان التي قد تستغلها بعض الحكومات الغربية المناوئة لنظامه وتحركها ضده لتشكل له ضغطا سياسيا ونفسيا.
أما إذا تلكأ الرئيس ولم يفعل، وأطلق الجناة أو حكم عليهم بالسجن أو غرامة مالية فسيكون مخلفا لوعده وناقضا لعهده الذي قطعه على نفسه أمام المواطنين وهو ما سيجعل شعبيته في الحضيض أمام الانتخابات الرئاسية خاصة أن ذلك سيكشف للمواطنين أن قضية بيرام ليست إلا فعلة افتعلها النظام ليصرف بها أنظار المواطنين عن مطلب الرحيل.
ولم يبق إذا إلا خيار واحد وهو أن يطبق الشريعة على الجناة كافة وفي جميع مجالات الحياة وهو أمر ليس في مصلحته ولن يقدم عليه حتما! وإن فعل، ولا إخاله كذلك فسيصبح مصدر إزعاج للقوى الغربية كما سيحرج زمرته الحاكمة التي تعتبر من أكثر الجناة استحقاقا لنيل جزاء ما تقترفه من فساد وظلم.