اعترفت الحكومة بتسريب مادّة الفيزياء، بعد صمت طويل مريب، وبعد تشكيك بعض المدونين الموالين لكلّ شيء، أو الذين أصبحوا موالين لكل شيء، والذين حاول بعضهم أن يكون ما نشر أمس عن التسريب مجرد تشويش على الطلاب وكأن طلاب الباكلوريا في عموم الوطن مجرد منتسبين لحزب الحاكم، أو مشروع من "مشاريع أمل" ..!
من الجيد أن اعتراف الحكومة جعل قادة "شباب الأمل" ينتقدون التسريب ويطالبون بمعاقبة الجناة والمسؤولين، إن أهمّ شيء هو الاجماع على ما يمكن الاجماع عليه ... إن صحوة أي ضمير مسألة جيدة، ولو بعد حوالي 24 ساعة من الفضيحة ونشرها، وسواء كان تأخر إدانات "نجوم شباب الولاء" لما تمّ من أجل التحرّي عن الأمر، رغم أن الأمر جلي والصور موثقة بالتاريخ والتوقيت، أو كان بناء على ما سيصدر عن "حذام" فهو أمر جيد .. لقد اعترف النظام ووسائل اعلامه، ومدونوه، وشبابه أن فضيحة أو جريمة حصلت .. لكن ما العمل؟ ماذا بعد؟
نحن نتذكّر جميعا تسريب باكلوريا مطلع الألفية في ظل وزارة اسغير ولد امبارك ـ أو ولد امباركلوريا كما سمته "اشطاري حينها" ـ ونعلم كيف أصبح معاليه رئيس وزراء، لكن من المؤسف أننا نعيش الآن تحت ظله وهو يقود أهمّ هيئة دستورية، إنه رئيس المجلس الدستوري .. فهل ستتم ترقية المسؤولين عن القطاع الآن بعد هذه الفضيحة؟ وما هم موقفنا إن لم يحاسبوا؟
إن العبث بمصير عشرات الآلاف من الطلاب، والأغلبية الساحقة منهم فقراء لا يملكون امكانات النقل إلى الامتحانات كل يوم، هو جريمة تستحق العقاب، وعلاوة على الارهاق النفسي والبدني للطلاب وذويهم، وخاصة الفقراء منهم الذين يمثلون ـ غالبا ـ الكتلة الأكثر عددا وتميزا، فإن ما حصل سيكون له أثر على سمعة البلد التعليمية عموما، ومن المضحك المبكي أن يكون ما حصل حصل في "سنة التعليم". لكن هناك سؤال للصّاحين قبل العودة إلى الكهف: إذا لم يعاقب النظام من تورطوا في هذا الجرم، ألا يعتبر ذلك جرما يستحق النقد والفضح أيضا؟ هل سيمكنكم التعبير عن عدم الرضى عن توفير حصانة لمن يقومون بهذا الجرم؟ أم ستعتبرون "إعادة مادة الفيزياء" إنجازا تضيفونه إلى انجازات أخرى من قبيل "كتابة مقالات بالانجليزية" و"إدارة حوارات تلفزيونية" .. وهل سنرى "مانشتات" عريضة، وتدوينات ممجوجة، تشيد بالقائد الذي أعاد الفيزياء بعد أن اغتصبتها ودمرتها الأنظمة البائدة والمعارضة العجوز؟
من صفحة الكاتب على فيس بوك