يظن الكثيرمن الناس أن نسيم التحرر والإنعتاق من نير الجهالة والخنوع , الذي روض الشعوب العربية حقبا قد هب, و أن فجرا جديدا ولد بعملية قيسرية بعد مخاض طال انتظاره.
إنه فجر الثورة الذي حط رحله في فصل الربيع , منتشيا روائح زهره العليل , ومستجمما في الساحات مستمتعا بمناخ هادئ ومعتدل . لكن حرارة الشعارات التي جلب معه كانت نورا , فتح باب الأمل في نفوس المستضعفين والمحرومين من الناس , ونارا أحرقت كراسي طغاة تجبروا عقودا من الزمن , تميز نظامهم بالبطش والفساد . فسقط النظام في تونس ومصر وليبيا و اليمن , وانفتحت أخرى على شعوبها مجبرة لا مختارة . تلك الشعوب التي ظن الجميع أنها تعاني الضعف والوهن , ويعتريها الطمع والنفاق لصاحب السلطة والمال , حتى وصفها الشاعر نزار قباني بقوله " و العالم العربي إما نعجة مذبوحة أو حاكم غصاب " .
ومنذ فبراير 2011 بدأت النخبة السياسية المعارضة في البلاد , والطامحة للسلطة تنادي بإسقاط النظام الذي لم يكمل عامه الثالث , عكس الدكتاتوريات العربية العتيدة . فكثفت هذه المعارضة دعاياتها ومارست كل الأساليب لتجعل الشعب يخرج ولو ليوم واحد مناديا " الشب يريد اسقاط النظام "
تلك الجملة التي باتت تطرب الشعوب و تخافها الأنظمة , لكن نداءات المعارضة ومظاهراتها و اعتصاماتها لم تصل بعد إلى درجة الثورة , ربما لأن النداء كان من النخبة أولا , في الوقت الذي التحقت فيه النخب بالشعوب في البلدان الأخرى , و ربما لأسباب نجهلها ,غير أننا إذا حاولنا المقارنة بين بلادنا والبلدان الثائرة نجد:
* أننا لم نعرف الدولة في تاريخنا القريب, وبداوة الشعب وترحاله منعاه من الإنتماء الحقيقي لها
* فهم عرفوا الثورات ونحن لازلنا نتهجى تاريخها
* وأن الشعوب في البلدان الثائرة فقيرة لكننا أفقر
* وأن لديهم ساحات عامة ومدننا ليست مخططة
* وأنهم يضحون بأوقاتهم من أجل المصلحة العامة ونحن لم نعهد ذلك في ثقافتنا
* لاتحكمهم القبيلة و لا العشيرة غالبا, ونحن لازلنا نرضخ في أغلبنا لما يمليه زعماء القبائل
المتحالفين مع أي رئيس يحكم البلاد
* لانحفظ النشيد الوطني ولا نقدس العلم وهم يغنون أناشيدهم ويرفعون أعلامهم الوطنية * تنخر الوطنية عظامهم ونحن لانعرف عن الوطن غير اسمه
* انتماؤهم له وانتماؤنا للقبيلة أوالجهة
* يخرجون بعد صلاة كل جمعة و معارضتنا تطلب الخروج في الأربعاء المشؤوم
* ونجد أيضا أن أنانية حكامنا منذ الإستقلال عملت على تجهيل و تفقير الشعب مثلما حدث في كل البلدان الثائرة
* وأن شعارات من قبيل الحرب على الفساد والإصلاح ماهي إلا اسم على غير مسمى
* لكن في المقابل : نملك سمكا وحديدا ونحاسا وذهبا و نفطا وشعبنا فقير لا يتجاوز تعداد سكانه الثلاثة ملايين, وهم لا يملكون , فامتلكوا ناصية المبادرة وعبروا بصوت عال حتى زلزلوا الأرض من تحت جلاديهم , فتساقطوا واحدا تلو الآخر , كأعجاز نخل خاوية .
فهل نستطيع إذن تكرار الجملة ساعة تحت شمس صيفية حارقة, دون أن ننتبه للأسباب ,غير مبالين بتحرشات الشرطة ولا مكترثين بضغط الأهل والأحباب , وضعف مؤونة البيت, وبياض اليد والجيب ؟