المتابع للمؤتمر الصحفي مساء أمس لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز يدرك بوضوح أن أهم هدف حققه هذا المؤتمر هو أن ولد عبد العزيز استطاع أن يزود معاهد الإعلام، وكليات الصحافة بنمط جديد من اللقاءات الصحفية، لم يكن معهودا في جميع دول العالم، لا هو مؤتمر صحفي، ولا هو برنامج تلفزيوني، ليس مؤتمرا صحفيا، لأن المؤتمرات الصحفية في جميع الدول يشارك فيها كل من يرغب من الصحفيين، ولا يتم انتقاؤهم بعناية، ولا توجيههم، وليس برنامجا تلفزيونيا، لأن الرئيس ولد عبد العزيز يلعب دور "الضيف" ودور " المقدم" وهي مسألة لا عهد للإعلام بها، قبل ولد عبد العزيز، الذي كان يعطي الكلام، ويسحبه كما يريد، وحتى لم يقل ولد عبد العزيز :" أعطي السؤال" بل ظل يقول :" أعطي الكلام لفلان" وكأنه يريد أن يقول للزملاء الصحفيين : " جئنا بكم لتتكلموا، لا لتسألوا". لقد كشفت إطلالة ولد عبد العزيز عن حرص كبير من الرئيس على التحكم في مجريات اللقاء من بدايته إلى نهايته، وعدم ترك أي فرصة للمفاجأة، أو مداخلات غير مرغوبة، بدا ذلك جليا من انتقاء الصحفيين - رغم عدم طعننا في مهنية أحد- إلا أن كمية، وكيف المحاورين للرئيس الليلة تظهر بجلاء أنه تم استبعاد من لا يضمن ولاؤه - بلغة الحروب- أو حتى من يشك في انتمائه، وتم حصر الزملاء الصحفيين في زاوية معينة، فجاءت معظم أسئلتهم نسخا طبق الأصل من بعضها، مع بعض التحوير، والتدوير، وكشف أحد الصحفيين خلال اللقاء على الهواء مباشرة عن أنهم تعهدوا بحصر أسئلتهم في محاور محددة، وعندما حاول الصحفي نفسه الخروج عن النص قاطعه الرئيس، وفهم الصحفي الرسالة، قائلا إنه سيكتب أسئلته ويتركها للرئيس، بدل طرحها مباشرة في اللقاء، وقد استحوذت الزيارات الداخلية للرئيس على معظم اللقاء، لكن لا جديد مفيد، لا وعود مبشرة لسكان تلك المناطق المزورة، فقط اكتفى الرئيس بالقول إنه تمكن من معرفة مشاكل السكان، واحتياجاتهم، وكأنه كان بحاجة لإنفاق مئات الملايين من الأوقية، وترك العاصمة عدة أسابيع حتى يتمكن من معرفو واقع السكان!. لقد شكلت خرجة الرئيس الإعلامية فرصة للفرجة، والسمر خلف الشاشة الصغيرة، لكن غياب عنصري التشويق، والإثارة، قتل تلك الفرجة، وجعل المواطن المتسمر أمام الشاشة، والمذياع يتثاءب، وهو يقاوم النعاس، ويسلي النفس بالقول.. اللقاء مازال مستمرا، ربما يأتي الجديد المفيد، لكن أجوبة- أو بالأحرى- مداخلات ولد عبد العزيز ظلت تحمل نفس المواقف، والآراء المعهودة لديه من القضايا المطروحة، .. الحوار السياسي، العبودية، الفساد، التقري العشوائي.. الخ وربما كان الحديث عن" بازب" هو الموضوع الجديد الذي يتحدث عنه الرئيس بصراحة لأول مرة..إن جوهر المؤتمرات الصحفية، هو أن يكون المتحدث حذرا، ويتوقع أي سؤال مفاجئ من الصحفي، ويجعل المشاهد، والمستمع يستمتع بهذه اللعبة، لكن عندما تسود الثقة المطلقة بين المتحدث، والصحفي يغيب المعنى الحقيقي للمؤتمر الصحفي.. صحيح أن مبدأ إطلاة الرئيس على مواطنيه عبر الإعلام هي سنة حسنة، لكن تكرار تلك الإطلالات دون أن تضيف جديدا، يحولها إلى حلقات في مسلسل ممل، معروف الخاتمة.
من حيث الشكل تميز لقاء الرئيس بالصحافة هذه المرة بكون الرئيس بدا مرتاحا، ومسترخيا في جلسته، عكس اللقاء الماضي، الذي كان يديره الزميل سيدي ولد النمين، وأبان ولد عبد العزيز عن قدرة لا بأس بها في إدارة الحوارات الصحفية، نتمنى أن تكون لديه نفس القدرة في إدارة البلد، في حين شكل حضور بعض الوزراء جزء من "الديكور" فحسب، ولم يكن لحضورهم أي دور، سوى ملء الفراغ.
انتهى إذا لقاء الرئيس الموريتاني بالصحافة، وبنهايته تكون موريتانيا قد حققت براءة اختراع جديدة، باعتبار رئيسها أول رئيس دولة في العالم يلعب دور مقد برامج تلفزيونية على الهواء، وهذا في حد ذاته يعتبر إنجازا لا يقل في أهميته عن ترؤس الاتحاد الإفريقي، وحل أزمة مالي .