- أعجبني اهتمام النخبة الموريتانية من علماء أجلاء و ساسة بارزين و مفكرين أفذاذ ،....بما هو حادث في "اليمن الأم" ( حتي لا أقول الشقيق حيث يتداول علي نطاق واسع أن كثيرا من الموريتانيين- عربا و زنوجا- تنمي أصولهم إلي يمن الحكمة).
- و سرني أكثر انحياز أغلب النخب الدينية و الفكرية و السياسية إلي دعم عاصفة الحزم باعتبارها حزما لو لم يؤخذ به لضاعت الجزيرة العربية و هلك العرب وتجددت فتنة داخلية عامة و عارمة بين المسلمين شبيهة بما عرفته أوروبا المسيحية خلال الحروب الدينية و حروب الثلاثين عاما في القرن السابع عشر.
- كأنما نريد نحن و يراد لنا أن يظل بيننا و بين الغرب فرق أربعة قرون من الحضارة و التحكم في "إدارة التنوع و الاختلاف". و ليعلم الجميع أن " التحكم في إدارة التنوع البيني و الاختلاف مع الغير " هو لعمري مناط تقدم الغرب و تخلف العرب و المسلمين فهل من مدكر ...و من أراد إصلاح شؤون العرب و المسلمين فبهذا فليبدأ أو ليعلم بأنه أخطأ موطن الوجع.
- اهتمام النخب الموريتانية بالشأن اليمني أحسبه في محله فما كان لنا كشناقطة بما في الكلمة من حمولة الموروث العلمي و التجديدي و الاجتهادي و الجهادي...الذي تركه الشناقطة الرواد أن نتخلف عن الشؤون الجوهرية للأمة الإسلامية.
- و من الأكيد أن استيلاء " الحوثيين و أصحابهم" علي السلطة في اليمن و محاولة استيراد النموذج السياسي المؤسس علي " الإقصاء الطائفي"و ما تبعه من انتعاش لافت لتنظيم " القاعدة و أخواتها" المعروف بالانحراف الفكري و العملي هو من الشواغل الجوهرية للأمة التي تستدعي هبة إسلامية قوية لتطبيع المشهد السياسي اليمني حفاظا علي اليمن الغالي و تأمينا للمنطقة كلها من حالقة " الغلو الفكري و الإقصاء الطائفي".
- لذلكم فإني أعتبر الموقف السعودي في إطلاق عاصفة الحزم بالسرعة و السرية التي حصلت لوقف تمدد الحوثيين و استعادة الشرعية السياسية و العودة إلي مربع ما قبل احتلال صنعاء أي مربع "قابلية المفاوضات السياسية" سبيلا أوحد لاسترجاع الأمن و الاستقرار؛ أعتبره أمرا بالغ الحكمة و التوفيق و لو لم يتم لكان الحديث اليوم جاريا ليس عن اليمن بل ربما – لا قدر الله- عن دول أخري من منطقة الخليج العربي لا تمثل الأقلية الطائفية فيها أكثر من العشر أو أدني من ذلك.
- و لا يحسبن قارئ أن لدي مشكلة مع الشيعة عموما – فأنا سني سمح منفتح وعذار وموقفي من مذاهبهم يتناسب تناسبا طرديا مع تباين أفكارهم في المعتقد مع أهل السنة- بل إني أنتمي إلي وسط اجتماعي ثبت عنه حتي يوم الناس هذا أن كل فرد فيه شيعي القلب يما يشبه ظاهرة قد يحسن تسميتها " بالتشيع السني" و ما ذلك إلا من فرط حبه و تقديسه لآل البيت- وهي ربما أولي المناقب التي يفاخر بها الأمم الأخري-. لا مشكلة لدي إذن مع الشيعة و إنما مشكلتي مع غلاة الشيعة الاستئصاليين و مع "سياسة تصدير النموذج" بالقوة أو بالعمل الاستخباراتي.
- و الآن وبعد مرور أسابيع علي بدء عاصفة الحزم و اتخاذ مجلس الأمن الدولي قرارا مؤسسا علي الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة باستعادة الشرعية السياسية كشرط لانطلاق مفاوضات سياسية بين الأطراف اليمنية فإني أعتبر أن عاصفة الحزم كانت بمثابة " حرب كفاية" اضطلع بها السعوديون نيابة عن العرب و المسلمين و عن المجتمع الدولي و يجب أن تتواصل إلي حين استيفاء شروط المجتمع الدولي و إن كان ينبغي الآن أن تنتقل تدريجيا إلي مهمة أممية تكون قوات التحالف الذي تقوده العربية السعودية عمودها الفقري.
- و في المقابل فإن مسار الحكمة و التسهيل ينبغي أن يتواصل من أجل تقارب وجهات النظر بين أطراف الصراع اليمني و لعل مما يساعد علي ذلك تنقية الحقل الإعلامي و السياسي و الديني في الفضاء العربي و الإسلامي من قاموس السب و الشتم المتبادل بين غلاة السنة وطغاة الشيعة الذي تحرضه دوائر الاستخبارات العالمية التي لا تريد خيرا و لا استقرارا للعالم العربي و الإسلامي.
- و التعويل كبير في تلك التهدئة و طهارة الخطاب علي علماء المسلمين شيعة و سنة و مفكريهم إسلاميين أو علمانيين الذين يجب عليهم – فرض عين لا فرض كفاية- أن يحتلوا المجال الإعلامي و يوفروا البدائل لعامة الناس و طبقاتهم الوسطي التي تبين القواسم و المصالح المشتركة و تقلل من شأن مساحات الاختلاف و تحرم دماء و أعراض المسلمين تحريما باتا مغلقا لا يحيد عنه إلا مجرم معلوم الانحراف و ترسي دعائم نظام ديمقراطي مؤسس علي التسامح وقبول الآخر و الاحتكام إلي قواعد قانونية توافقية.
- و في المجمل فإن تقديري أن العالم العربي و الإسلامي هو أحوج اليوم من أي وقت مضي إلي مراجعات فكرية كبري- دون أن يكون ذلك انتقاصا من التراث الفكري السياسي و إنما محاولة للمواءمة و التجديد و التكيف مع مخاطر الوقت- يقودها مفكرون كبار مصلحون مجتهدون و جريئون من السنة و الشيعة و من غير المصنفين طائفيا و أضع خطين تحت كلمة جريئون؛ مراجعات تفضي إلي "عقد إسلامي مدني" حول إشكالية التعايش و التسامح و " الاختلاف بإحسان"؛ عقد يحدد بأسلوب عصري و بلغة يفهمها جيل وسائط التواصل الاجتماعي و الرسائل القصيرة مبادئ و طرائق التعايش بين الإسلام و الآخر و كذا ضوابط التعايش بين المذاهب و الطوائف الإسلامية فيما بينها بعيدا عن لغة العنف و صناديق الذخيرة و تغليبا لمنطق اللطف و صناديق الاقتراع.