رغم أن الرئيس نفى أن تكون لديه أية نية لتعديل الدستور، إلا أن كل من أغلبيته ومعارضته ما زالت تتحدث عن ذلك "التعديل" باعتباره قدرا محتوما وتترقب وقوعه في أي وقت، بل وتعتبره معركتها القادمة، وإن اختلفت أهداف الطرفين بطبيعة الحال.
لقد كان من المفترض بعد تصريحات ولد عبد العزيز، بعيد وصوله إلى النعمة والتي قال فيها أنه لا ينوي البتة تعديل الدستور، أن نحصل على ردود فعل من طرف المنتدى والأغلبية، حتى نقلب هذه الصفحة التي أسالت الكثير من الحبر.
لكن الذي حصل هو أن أحزاب المنتدى تجاهلت التصريح ولم تعقب عليه، ما يعني أن الوضع بالنسبة لها ما زال يكتنفه الكثير من الغموض والضبابية، وأن نفي الرئيس ليس ضمانة كافية لتحصين الدستور من عبث العابثين.
كما أن الأغلبية التي دأبت دائما على انتهاز مثل هذه الفرص لتبين للرأي العام ما تسميه "زيف " المعارضة، لم تستغل من ناحيتها هذه الفرصة لتفند كل إدعاءات المنتدى السابقة بل فضلت التصامم عن الموضوع، وهو ما يعني أنها إما غير راضية عن موقف الرئيس، أو أنها تعتبر أن ما قاله الرجل هو للاستهلاك المحلي والمرحلي لا غير.
الرئيس نفسه بدا هو الآخر وكأنه بات جزءا من لعبة "الإلحاح على تعديل الدستور"، فحتى وإن كان الرجل وكما قلنا قد نفى نيته المضي في هذا الطريق في البداية، إلا أن دعوات تعديل الدستور تكررت كثيرا خلال مراحل أخرى للزيارة، وفي كل مرة كان ولد عبد العزيز يفضل تجاهلها والسكوت عنها، "والسكوت علامة الرضا" هي مقولة تنطبق كثيرا على السياسة وأحكامها.
فلو أن الرئيس عقب على ذلك "الإلحاح" ونهر أصحابه وأكد لهم بما لا يدع مجالا للشك أن الدستور خط أحمر، لما تكرر ذات المشهد في محطات عديدة ولما ذهب البعض إلى درجة رفع لافتات تدعو لتغيير الدستور.
الخلاصة هي أن قضية تعديل الدستور ما زالت "أحجية" تماما كما كانت قبل الزيارة الرئاسية، وأما ما حدث خلال جولة الرئيس وجعلنا نضيع بين نفي واحد وإصرار متعدد، فهو ليس سوى تمارين إحماء في انتظار أن تبدأ لعبة حل اللغز.
البشير عبد الرزاق