عرفت بلادنا الحياة السياسية الديمقراطية مبكرا، ففي سنة 1947 تم انتخاب احمد ولد حرم ولد ببانه رحمه الله نائبا في الجمعية الوطنية الفرنسية ممثلا لموريتانيا و بعد الاستقلال عن فرنسا بسنة واحدة تم القضاء على التجربة الديمقراطية و هي لا تزال في مهدها وذلك بعد أن توحدت الأحزاب الأربعة الرئيسية (الحزب التقدمي الموريتاني الحزب الحاكم, الاتحاد الوطني الموريتاني, الاتحاد الاشتراكي لمسلمي موريتانيا, حزب النهضة) في حزب واحد هو حزب الشعب الموريتاني ,وخاصة سنة 1965 م بعد أن تم تعديل الدستور لينص على أن حزب الشعب الحاكم هو الحزب الوحيد في البلاد.
وفي سنة 1978 م وبعد الانقلاب الأبيض للعسكر الذي أطاح بالرئيس المختار ولد داداه رحمه الله ونظام حزبه الواحد دخلت بلادنا في دوامة من الانقلابات مزتها الرئيسية نظام حكم استثنائي أديرت لعبة الحكم فيه بشكل يذكرني بمشهد من مشاهد لفن أوبرا بكين حيث يضع الممثل الرئيسي أقنعة لتنكر على وجهه والتي يستطيع من خلالها اظهار اكثر من لون لوجهه تعبيرا عن نوعية وطبيعة الشخصية التي يمثلها.
وكانت تسعينيات القرن الماضي وما صاحبها من إستراد للتعددية الديمقراطية وتفصيلها على مقاييس محلية تقليدية حيث القبيلة والجهوية والفئوية و استعباد الانسان لأخية الانسان احد اهم أسباب الاحتقان الذي بات السمة الرئيسة لكل فترة حكم جديدة , بحيث برزت على السطح فقط المساوئ المتعلقة بطبيعة الديمقراطية و تطبيقها كالبيروقراطية و طغيان الأغلبية وفسادها وإفسادها وارتجالية السياسات المتبعة مما نتج عنه عجز عن خلق اطار سياسي و عقد اجتماعي تشاركي يضمن الانتقال السلمي لسلطة وينظم العلاقة بين الإثنيات المختلفة في المجتمع و يضمن ويؤكد على حقوقها ويساهم في تشكيل اغلبية ديمقراطية ليست عرقية او فئوية او مصلحية بل اغلبية ذات اجماع وطني تخدم المصالح المشتركة لكل فئات شعبنا.
والحوار المرتقب بين الفرقاء السياسيين هو بوابة امتلاك الرؤية السليمة و الأداة الأساسية لصناعة هذا الإطار السياسي واكتشاف المساحة المشتركة بينهم والتي هي بدون شك المصلحة العليا لوطننا العزيز وهو بذلك الفرصة الأخيرة لنظام والمعارضة لتجاوز خلافاتهم وتقديم التنا زلات عملا بمقولة فولتير " الخلاف الطويل يعني ان كلا الطرفين على خطأ " وذلك قبل فوات الأوان وقبل أن يأخذ الشعب الموريتاني الأبي زمام المبادرة بنفسه و يتجاوز ضعف النظام وأغلبيته والمعارضة ويخرج ديمقراطيتنا من عنق الزجاجة التي ظلت فيها ردحا من الزمن ليتسنى لنا بناء موريتانيا التي نحلم بها حيث العدل والمساواة والشفافية والحكم الرشيد والتنمية والإزدهار .