تهيأت للكتابة عن تبعات أو بقايا نظام "الرق" في موريتانيا الشقيقة لكل العرب والمسلمين بالفعل، قبل أن أطلع على التشكيل الوزاري الأخير فيها والذي سيطرت فيه النساء على الدبلوماسية الموريتانية!
هذا هو الحال في موريتانيا التي بدت كبلد للعجائب وليس الهند!!
كنت قد زرت الهند في بدايات الثمانينيات عندما كانت تشهد تحولاً ديموقراطياً واجتماعياً غير مسبوق في تاريخها!! فحتى ذلك الحين كان من الممكن لهندي من الطبقة العليا أن يقتل أو يصيب هندياً آخر من الطبقة السفلى، إذا مر ظِلُّ الأخير على الأول!! كانت الهند حتى الثمانينيات تقسم البشر هناك الى طبقات "الاولى خرجت من صدر إلههم، والثانية من بطنه، والأخيرة من الجزء الأسفل" وكان ما كان وتخلصت الهند من هذا الإرث الكبير وباتت الآن في مصاف الدول النامية بحق والتي تسعى قدماً للحاق بركب الدول المتقدمة!
وأعود إلى موريتانيا التي زرتها تقريباً في نفس الفترة من الثمانينيات حيث عدت مفعماً بالانبهار بهذا الشعب العريق الذي يحفظ القرآن ويدرس العلم ويلقي الشعر على أفرع الشجر!
أتذكر حينها جيداً أنني سألت الرئيس معاوية ولد الطايع وهو يحدثني عن حرصه الشديد على تعزيز قيم العدل والتسامح والحرية، عما يقال عن نظام الرق "العبودية" في بلاده! يومها أحالني لوزيري الشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم وأظن أنهما كانا "ناصريين" فراحا يسهبان في تمكن الدولة من القضاء تدريجياً على هذا النظام!!
تذكرت الرحلتين إلى الهند وموريتانيا، وأنا اقرأ خبراً عن سجن ثلاثة موريتانيين بتهمة قيادة منظمات "غير مرخصة" لمناهضة "العبودية وممارسة الاسترقاق"!
وزاد من دهشتي أن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز لم ينفِ وجود الظاهرة تماماً قائلاً إن ما بقي في بلاده منذ إلغاء الرق رسمياً عام 1981م هو "تبعات" هذا النظام فقط!! وما أكثر التبعات وأخطرها على كيانات الدول!
هكذا انفعلت وتهيأت بل وبدأت في الكتابة عن ضرورة إزالة بقايا أو تبعات "الرق" في بلد يحفظ أبناؤه القرآن ويجيدون الشعر ويتوقون للحرية، غير أنني فوجئت بخبر مناقض تماماً لقيم "الاسترقاق والتخلف والعبودية" يتحدث عن رفع عدد "الوزيرات" في التشكيلة الحكومية إلى ثماني!
وتبعاً لذلك أصبحت "فاطمة" فال وزيرة للشؤون الخارجية والتعاون، وباتت "خديجة" امبارك وزيرة للشؤون المغاربية والإفريقية، أما "عالية" بنت مكنوس فتولت أمانة وزارة الخارجية، فيما عادت الوزيرة "كومبا" بوزارة الشباب، والزميلة النابغة "هند" بن عنينا وزيرة للثقافة.
أما الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة فذهبت للسيدة "أمنية" بنت القطب ولد أممه، فيما تولت "حواء" تانديا منصب الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية.
أنت الآن أو فلأقل أنا الآن أمام مشهدين مدهشين! الأول يتحدث عن وجود رق أو استرقاق في موريتانيا بما يوحي أنها مازالت في عصور سحيقة! والآخر يوحي بأنها دولة متحضرة تعلي من شأن المرأة باعتبارها شريكة للرجل ومن ثم شريكة فاعلة في التشكيل الحكومي!
ولأنني أعرف جيداً وعن دراسة ميدانية حقيقية تجارب نسائية موريتانية فذة في معظم المجالات ،أقول إن وجودها بهذا الحجم وهذه الكثافة في الوزارة الجديدة ليس مجرد ديكور أو "زينة"! وفي ذلك يبرز دور فاطمة بنت فال وتاريخها المشرف في الانتصار لحقوق "الصناع التقليديين" ويبرز دور الزميلة هند في تقوية علاقات بلادها بدول المغرب العربي، والوزيرة كومبا في ترسيخ علاقات موريتانيا الإفريقية.
أخيراً، وفيما كنت أغادر موريتانيا، وأصل السنغال، دخلت لتناول العشاء في بيت مسؤول سنغالي كبير فوجدت رجلين عاريين شبه مصلوبين.. أحدهما على اليمين والآخر على اليسار، وحين سألت مرافقي العربي عما رأيت قال: إنهما "عبدان".. والعبودية لله وحده!!