انشغل الرأي العام الوطني طيلة الأسابيع الماضية بمأساة الموريتانيين في أنكولا واعتقد كثيرون أنها ستشكل محور تحرك جدي للمسؤولين الموريتانيين، لما لهذه الجالية من دور إيجابي على الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالبلد.. لكن المفاجأة كانت صادمة، بفعل غياب هذا الدور، الذي حلت محله شائعات حول تحركات فردية تمت في الضفة الأخرى من الأطلسي، دون أن تجد المعضلة حلا حقيقيا، يحفظ لهذه الجالية النوعية كرامتها ويحافظ على مصدر دخلها، وحتى لا يتوقف تدفق التحويلات المالية السخية، التي برهن مرسلوها أنهم أكثر الناس "إيثارا على أنفسهم".
غاب الدور الرسمي وبقي مواطنونا هناك، يكابدون ذل السجون ومرارة الخيبة وصدمة المصير، ليبرز هذا الدور- "مثل دفلت الأعمى"- في جوار أنكولا الإقليمي( غينيا وليبيريا وسيراليون)، حيث ظهر التعاطف الموريتاني والكرم الحاتمي، اتجاه المصابين الحاليين والمحتملين بأيبولا، الشيء الذي خلف حالة من الشعور بالضياع، لدى أفراد هذه الجالية القابعين في السجون الأنكولية والمطاردين عبر ترابها الفسيح، عند ما أيقنوا أن رئاسة بلدهم للإتحاد الإفريقي لن تسعفهم وتأكدوا أن رحلة التعاطف والبذل الإفريقية تلك ، لن تشملهم.
فرغم أن هذه الجالية تعطي دون من وتغدق- من خلال التحويلات- دون توقف.. إلا أن "الرحلة الإيبولية"- التي "أوجبتها مكانة موريتانيا الإفريقية الآنية" والتي فرضت أخلاقيا على البلاد التنازل عن مبالغ مالية بالعملة الصعبة، هي أحوج ما تكون إليها أكثر من مستلميها- لم تشأ هذه "الرحلة" إذن أن تضيف إلى "مكرمتها الأيبولية"، ساعات في أنغولا ، تواسي خلالها مواطنين ملهوفين، تؤمن الخائف منهم وتنصف مظلومهم وتصون كرامتهم، في وقت، هم بأمس الحاجة إليها، الشيء الذي كان- لوحصل- سيسمح باستمرار تدفق مالي بالعملة الصعبة، اتجاه وطنهم.. تدفقات سيبدو أمامها مردود "المكرمات الأيبولية"- من باب المقارنة- وكأنه مضروب في الصفر.
فإلى متى ستبقى كرامة المواطن الموريتاني عرضة للمجاملة وغائبة عن وعي مسؤولينا؟
لقد كان أجدر برئيس الجمهورية، وهو الرجل القادم من الجهاز الأمني والذي لم يبن بعد علاقات ثقة كافية مع الطبقة السياسية، أن يقوم بخطوات، تجلب له تعاطفا في الجاليات، المتجذرة في الوسط القبلي والعائلي ومؤثرة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
كما أنه كان أولى لبرلماننا أن ينشغل بأوضاع جالية، تعتبر اليوم هي الأهم كما وكيفا، بدلا من التصفيق والتملق للوزير الأول، الذي يبدو أنه هو الآخر أخذته نشوة التملق، ناسيا أنه ليس لشخصه الكريم وإنما هو مجرد إطراء عايش نسخته الخمسين.. وقد تكون أكثر، وهو جاهز لأن يتكرر ألف مرة لصالح من يجلس مستقبلا على مقعد "ابريماتير".
فكان على كل هؤلاء وغيرهم- عند ما تابعوا اتراجيديا جاليتنا في أنكولا- أن ينصحوا الرئيس وأن يطالبوه بإلحاح أن يبدأ رحلته الإفريقية تلك بأنكولا وأن ينهيها بها، ليقف إلى جانب مواطنيه، مستغلا مكانة الدولة وموقع موريتانيا الظرفي في هذه القارة لصالح كل الشتات الموريتاني في إفريقيا، والذي لا توجد دولة منها إلا وفيها جزء منه، قد يكون هامشيا وقد لا يقدر ب"ثمن"- كما هو الحال بالنسبة لجاليتنا المحترمة في أنكولا.
فإذا كانت "الرحلة الأيبولية"، قد استوجبتها الرئاسة الموريتانية للإتحاد الإفريقي، فإن جاليتنا في أنكولا أحق بأن يكون لها نصيب من هذه "الرئاسة" ولو تطلب الأمر القيام برحلات عديدة إلى هذا البلد، الذي لا زالت زيارته حتى الآن لا تبعث على القشعريرة أو التوجس من عدوى الأمراض الفتاكة، عكس تلك المزارة: المبتلاة – أعاذنا الله- بمرض "أيبولا" الفتاك.