في القرن الواحد والعشرين وفي خضم ضجيج الحضارات، تقف موريتانيا على كف عفريت، ينهشها فساد محـمد ولد عبد العزيز وآله والمقربين منه.. سبع عجاف عاشها الموريتانيون منذ وصول هذا الجنرال المولع بتكديس الأموال إلى السلطة، فأصبحت بلادهم قاعا صفصفا رغم ما تمتلكه
من مقدرات هائلة.
توالت الفضائح طيلة هذه السبع حتى أصبحت روتينا خاليا من الإثارة.. تحققت الوعود الانتخابية فأصبح الشعب كله فقراء.. وكان الفقر والتهميش والعطش والجفاف وغياب الخدمات العمومية من صحة وتعليم وغيرها مصير موريتانيا الأعماق.. أصبحت سمعة البلاد تحت الحضيض في المحافل الدولية، فهذا نبيه بري يفتح باب التبرع في برلمان العرب لإنقاذ موريتانيا من الطرد نتيجة تأخرها في دفع مستحقاتها المالية وتلك الجمعية العامة للأمم المتحدة تمنع موريتانيا من التصويت لنفس السبب و أولائك الليبيون يشترون من عند موريتانيا مستجيرا.. حدث ولا حرج فنحن يا حبيبي في بلاد الحاج محـمد ولد عبد العزيز رئيس العمل الإسلامي..!!
لقد تلاشى مضمون الدولة من مخيلة الموريتانيين على مدى ثلاثة عقود من الانقلابات العسكرية وأصبح الشكل مهددا بالانهيار بفعل ممارسات هذا النظام الذي لا يرقب في شعبه إِلًّا ولا ذِمَّة، يزرع الفتن العرقية يمنة ويسرة، ويؤنب فئات المجتمع بعضها ضد بعض، حتى أصبح البعض يتعهد علنا بمذابح جماعية، وآخرون يطالبون بتغيير اسم الدولة وعلمها ونشيدها.. بل وصل الأمر إلى الدعوة للمساس بالحوزة الترابية وتقسيم الوطن..! والأخطر من كل ذلك فقدان الأمن وانتشار ظاهرة الاغتصاب والمساس بمقدسات الأمة الموريتانية.
موريتانيا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تكاتف الخيرين من أبنائها لتدارك ما يمكن تداركه، ولن يكون ذلك إلا بوضع حد نهائي للحكم العسكري الذي أنهك البلاد والعباد. ولا يعني ذلك أبدا الانتقاص من دور الجيش ولا قيمته بل هو تصحيح لوضعية خرقاء أقحمته فيها عصابات النهب والفساد التي لا تولي كثير اهتمام بهذه المؤسسة في الوقت الذي يرزح فيه معظم أبناءها تحت وطأة الظلم والغبن.. كم عقيدا متقاعدا يتسكع اليوم في وطنه الذي قدم حياته في خدمته؟! كم قائدا عسكريا متقاعدا يتعرض للظلم والاهانة من لدن الدولة ومؤسساتها ويعاني أبنائه الأمرين؟! كم جنديا لا يجد ما يوفر به قوته وقوت عياله؟! ما قولكم في إهانة المتقاعدين من أبناء المؤسسة العسكرية المتقاعدين مع شركات الحراسة الخصوصية ومنعهم من دخول العاصمة للاحتجاج على أوضاعهم المأساوية...؟!
إن الظلم لا يولد إلا الرغبة في الانتقام وإن التعامي -والحال هذا- عن مشاكل الوطن لن يقودنا إلا إلى ما لا تحمد عقباه، ويومئذ لا تنفع الأيام التشاورية ولا كرنافالات الشعب والشباب.. إن تأجيج فئات المجتمع بعضها ضد بعض جريمة لا تغتفر فالجميع سواسية أمام مطرقة الظلم وسندان الفساد إلا من رضي عنه ولد عبد العزيز وعصبته.
علينا أن ندرك جميعا أن مصير هذا الوطن مصير مشترك، إما آيل إلى انهيار يدفع الجميع ثمنه لا قدر الله، أو إلى تغيير يحصد الجميع نتائجه ويؤسس لدولة "العدل والمساواة" التي تكفل لمواطنيها -مدنيين وعسكريين بيضا وسودا عربا وعجما- حقوقهم دون تمييز ولا إقصاء.. فلنختر لأنفسنا أيهما نريد.