نتشرت في الأشهر الماضية في مدينة نواكشوط إصابات بحمى غير معروفة تصيب جميع أفراد الأسرة، وتستمر لأيام...
وكان أول ظهور لها في مقاطعة تيارت التي اصبحت تعرف باسمها وقد تسببت في البداية في إقبال كبير على مستوصف تيارت، إذ تجاوز قدرته الاستيعابية في بعض الأوقات ثم بعد ذالك امتدت إلى جميع المصالح الصحية العامة والخاصة في زمن قياسي...وان كانت هذه الحمى غير خطيرة نسبيا حيث استطاعت المصالح الصحية السيطرة عليها وذالك بعلاج المصابين بحقنة حمى الناموس وتجاوبهم مع الدواء... فان سرعة انتشارها تثير مخاوف خطيرة..زرت اكثرية مقاطعات العاصمة لكي استقصي وأتعرف على المرض عن كثب وفي اثناء جمعي للتفاصيل ومعاينة الكتابة تولدت لدي تساؤلات وهواجس:ماذا لوكان هذا المرض الى قدر الله الايبولا؟ وماهي الاجراءات التي ستتخذ آن ذاك؟ ونحن عاجزين عن تشخيص حمى تيارت؟
لم أصدق كعادتي ما كتب عن المرض محليا وكان علي أن أسافر إلى ولاية لعصابة لأقطع الشك باليقين انطلقت من انواكشوط الى كيفة عاصمة الولاية وكان من حسن حظي أن تزامن وصولي مع انطلاق الحملات التحسيسية ضد المرض المنظمة من قبل وزارة الصحة وكنت من ضمن الفريق المتوجه إلى القرى الموريتانية التي تحد الجارة دولة مالي الشقيقة صحبة الوالي وحاكم كنكوصة والمدير الجهوي للصحة..كانت الرحلة شاقة ومضنية..
وكنا كلما مررنا على قرية يلتقي الوالي بالمواطنين ويستمع إليهم ويخاطبهم مباشرة متكلما عن خطورة مرض الايبولا ثم يعقب بعده مدير الصحة مستعرضا أسباب المرض والوقاية منه.... والحمد لله إلى حد الآن لم تسجل أي حالة في موريتانيا إلا أن الحذر يبقى واجبا دائما...
لكن ماهو مرض الايبولا؟
يعتبر الإيبولا المعروف سابقاً باسم (حمى الإيبولا النزفية)، من أخطر الأمراض الفيروسية التي تصيب الإنسان وغالباً ما يكون قاتلاً ظهر لأول مرة عام 1976م في نزارا بالسودان ويامبوكو بجمهورية الكونغو الديمقراطية،(زايير سابقا) وقد انتشر آن ذاك في قرية تقع على مقربة من نهر إيبولا الذي سمي باسمه لاحقا..
وتعتبرالحالة المندلعة حالياً في غرب أفريقيا الأكبر ولأعقد انتشارا للمرض منذ اكتشاف الفيروس إذ تسببت في حالات ووفيات أكثر من جميع الحالات الأخرى مجتمعة.
وقد تفشت وانتشرت بين البلدان بدءاً بغينيا ومن ثم عبرت الحدود البرية إلى سيراليون وليبيريا وانتقلت جواً إلى نيجيريا (بواسطة مسافر واحد فقط) وبراً إلى السنغال (بواسطة مسافر آخر) ثم إلى مالي وبالذات مقاطعة خاي المجاروة لنا..
ولا تمتلك البلدان الأشد تضرّراً بالفاشية، وهي غينيا وسيراليون وليبيريا، إلا نظماً صحية ضعيفة جداً وتفتقر إلى الموارد البشرية والبنية التحتية اللازمة....
أعراض المرض:
تترواح فترة حضانة المرض، أي تلك الممتدة من لحظة الإصابة بعدواه إلى بداية ظهور أعراضه، بين يومين اثنين و21 يوماً.
ولا ينقل الإنسان عدوى المرض حتى يبدي أعراضه، التي تتمثل أولاها في الإصابة فجأة بحمى موهنة وآلام في العضلات وصداع والتهاب في الحلق، يتبعها تقيؤ وإسهال وظهور طفح جلدي واختلال في وظائف الكلى والكبد، والإصابة في بعض الحالات بنزيف داخلي وخارجي على حد سواء ( مثل نزول الدم من اللثة وخروج الدم في البراز).
انتقال المرض
يُعتقد أن الخفافيش هي المضيف الطبيعي لفيروس الإيبولا. وينتقل فيروس الإيبولا إلى تجمعات السكان البشرية عن طريق ملامسة دم الحيوانات المصابة بعدوى المرض أو إفرازاتها أو أعضائها أو السوائل الأخرى من أجسامها، مثل القردة...
ومن ثم تنتشر الإيبولا من خلال سريان عدواها من إنسان إلى آخر عبر الملامسة المباشرة لدم الفرد المصاب بعدواها (عن طريق الجروح أو الأغشية المخاطية) أو إفرازات ذاك الفرد أو أعضائه أو سوائل جسمه الأخرى، وبملامسة السطوح والمواد الأخرى الملوثة بتلك السوائل (كالمفروشات والملابس)...).
وكثيراً ما يُصاب عاملو الرعاية الصحية بالعدوى عند تقديمهم العلاج للمرضى المصابين بحالات يُشتبه فيها أو مؤكدة من مرض فيروس الإيبولا. وقد حدث ذلك من خلال ملامسة المرضى مباشرة من دون تطبيق صارم للإرشادات المتعلقة بمكافحة عدوى المرض..
ويمكن أن تؤدي أيضاً مراسم الدفن التي يلامس فيها المشيعون مباشرة جثة المتوفى دوراً في انتقال فيروس الإيبولا...
ويبقى المصابون بالمرض قابلين لنقل عدواه إلى الآخرين طالما أن دماءهم وإفرازات أجسامهم، بما فيها المني، حاوية على الفيروس. وتبيّن أن بإمكان الرجال المتعافين من المرض أن ينقلوا الفيروس أيضاً بواسطة السائل المنوي الحامل للعدوى بعد مدة تصل إلى سبعة أسابيع عقب تعافيهم من المرض....
.
إذاً …ما العمـــل ؟؟
الوقاية من المرض ومكافحته
تتوقف جودة مكافحة فاشية المرض على تنفيذ مجموعة من التدخلات، ألا وهي تدبير الحالات علاجياً وترصد مخالطي الحالات وتتبعهم وتقديم خدمة مختبرية جيدة والاضطلاع بمراسم الدفن الآمن والتعبئة الاجتماعية.
ومن الضروري إشراك المجتمع المحلي في الأمر لتكليل مكافحة فاشيات المرض بالنجاح. وتوعية الأفراد بعوامل خطر الإصابة بعدوى الإيبولا وتدابير الوقاية منها التي بإمكانهم اتخاذها من الوسائل الفعالة لتقليل معدل انتقال عدواها بين صفوف البشر.
كما ينبغي أن يداوم عاملو الرعاية الصحية على اتخاذ الاحتياطات المعيارية عند تقديم الرعاية للمرضى، بصرف النظر عن تشخيص حالة المرضى الافتراضية. وتشمل: نظافة اليدين الأساسية ونظافة الجهاز التنفسي واستعمال معدات الوقاية الشخصية (منع تطاير الرذاذ أو غير ذلك من حالات ملامسة المواد الحاملة لعدوى المرض) واتباع ممارسات آمنة في ميدان حقن المرضى ودفن الموتى...
ليس متاحاً أيُّ علاج حتى الآن للمرض،لذا يجب العمل على تعزيز الفرق الطبية والأمنية على الحدود بكل ما يلزم من وسائل مادية ولوجستية لأداء أعمالهم...
إن كل الجهود التي بذلت وستبذل لن تجد نفعا، مالم نتجاوب معها أفرادا وجماعات ونتعاون بشكل فعال مع الجهات المختصة ونبلغ فوريا عن كل حالة يشتبه بها...
وتبقى هواجس الخوف من هذا الوباء قائمة مالم يتعاون الجميع حكومة وشعبا في دحر هذا المرض القاتل الذي أصبح قريبا منا وكأننا نتكلم بلسان شاعر كرو العامي القائل:
أرع من غريب امسك ** لاتكبل غريب أتمس
من مرض الايبولا عسك ** عاد أكريب منكم عس
الهوامش
منظمة الصحة العالمية (بالتصرف)