قام الطلبة الإسلاميون في موريتانيا بنضال مشرف ضد محاولة السلطات إغلاق المعهد العالي. و قد نجح الطلاب كل بسالة و شجاعة في تحطيم حاجز الخوف من الشرطة الذي أعاق النضال الجماهير دوما. كما كان فرصة لتذكير "كلاب الحراسة" و حراس الصمت أن ثقافة المواجهة و منع تطبيق القوانين هو جزء أصيل من الممارسة الديمقراطية. الديمقراطية هي عملية معقدة ولا تكتسب الحكومات فيها حق الفعل المطلق بمجرد انتخابها أو الاعتراف بانتخابها.
2
و بغض النظر عن موقفي من وضعية التعليم الديني في البلاد (و هو أمر سأعبر عنه في وقته. مع أنني أرفض أن يبت نظام غير شرعي في مصير أي مؤسسة دينية أو علمانية) فإنني أتقدم هنا بنصائح يأخذ منها ويرد للحركة النضالية في المعهد و أعتقد أنها يمكن أن تكون مفيدة في نضالها في فعاليته و في أخلاقيته.
1-على الحركة الطلابية توسيع نطاق الاحتجاجات حتى تزعج النظام بحركة متمددة و مستديمة. و عليها سريعا نقل المواجهة إلى الجامعة و الثانويات. و لا مشكلة في تسييس القضية الطلابية لأن أي قضية تتمتع بدعم اجتماعي واسع تصبح سياسية بطبعها.( إحدى انتقاداتي للحركة الطلابية الموريتانية عموما هو انسحابيتها السياسية حتى في القضايا الجامعة).
2-من المهم أن تنتبه الحركة الطلابية لخطابها اللغوي و دلالاته. فلقد نظم الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا يوما بعنوان "الغضب من أجل الحرائر". و هي نفس العبارة التي ظهرت -عنوانا أو مصطلحا- في كتابات نشطاء أو متعاطفين مع الحركة. ومن الواضح أن الحركة الطلابية قلدت أيام غضب بهذا المسمى في البحرين و سوريا دون إدراك منها للفرق بين الشحنة الاجتماعية للكلمة في بلد مازال يعاني من مشكلة العبودية و بين بلدان تم إلغاء الاستعباد فيها منذ قرنين و لمتعد للكلمة أي أبعاد تمييزية (مع أنه تم انتقاد المصطلح في البلدين من قبل الحقوقيين كما أنه لم يتم إلا على مستوى غوغائي). إن كلمة الحرائر هي من الكلمات البنيوية التمييزية في الوضعية الاجتماعية الاستعبادية القديمة. إن استخدامها يعني التسليم بقانون الأضداد الذي تعمل فيه (الحرائر و الإماء). و هي حتما لا تتماشى مع الاجماع الذي انتهجته موريتانيا في 2007 برفض الكلمات الاستعبادية التي تورث ألما نفسيا للمُستعبدين. إن هذه الكلمات غير صحيحة سياسيا. و لذا يجب رفضها بشكل مطلقا.
3-مرة أخرى تسقط الحركة في التقليد الأعمى. في سوريا و البحرين تم الحديث عن يوم غضب للحرائر من أجل الإطاحة بنظام غير شرعي. في موريتانيا تسعي الحركة إلى النضال من أجل عدم إغلاق المعهد. إن تخصيص يوم "غضب للحرائر" يعني تحول القضية من النضال ضد إغلاق المعهد إلى النضال الانتقامي: انتقام من أفعال قام بها النظام ضد "حرائر" الحركة. و هذا مهم في إسقاط نظام و توسيع النضال ضده. و لكنه في إطار نضال حقوقي محدد يصبح خروجا عن القضية الأصلية.
3-التركيز على الانتصار "للحرائر" يتضمن تمييزا واضحا. لقد قام رجال الشرطة بتعذيب نشطاء الحركة رجالا و نساء. إن التركيز على نصرة النساء دون الرجال يعني اعترافا بحق الشرطة في ضرب النساء. كما أنه يعني ضمنيا أنه يٌقِرُّ اتفاقا ذكوريا قديما بتشريع ضرب للرجال للرجال (ترك المعركة بينهم شرعية) أما النساء فهم خط أحمر. و هذا يعني بدوره أنه يمكن التترس بالنساء أو استخدامهن في الوصول لأمكنة لا يصل إليها الرجال. للمفارقة تحمل هذه اللغة الفروسية في عمقها تمييزا ضد المرأة و ليس تضامنا معها. إنها تشبه الاتفاق العسكري بعدم التعرض للأذى للرسل أما المعركة فهي بين الرجال. و بدوره يقصى هذا الرأة من ساحات النضال. لأن وضعيتها النضالية لا تصح مع الاستنكار اللاهوتي لإمكانية تعرضها للأذى. و هكذا ضمنيا يحرم الخطاب الذكوري للحركة المرأة من تساويها مع الرجل في النضال. هذه ليست لغة حقوق و مساواة.
الأصح هو هذه المعادلة: إن ضرب النساء هو أمر ركيك. و لكن ضرب جميع المطالبين بالحقوق هو أمر ركيك أيضا. ليس فيه ما هو أقل شرعية من الآخر. من ألأصح تنظيم أيام ضد القمع الوحشي للطلاب و للمطالبين بحقوقهم بدون استخدام جندرة و تمييز جنسي.
4-على الحركة الطلابية الانتباه في مواجهتها مع النظام. إن الآراء التي توصلتُ بها في الموضوع تصب في اتجاه عملية تكفير واضحة. وهو ما حصل أيضا في أيام المواجهات مع ولد الطايع. و هذا أمر قد يكون مهما سياسيا، ولكنه خطأ أخلاقي واضح. هنالك تركيز من خلال المواقع الاسلامية على "المعهد كقلعة من قلاع الاسلام" و على "منع الطلبة من أداء الصلاة". إن هذه اللغة التكفيرية التي تطبع الخطاب الأصولي غير مفيدة في النضال الحقوقي كما أنها تحمل ظُلما بينا فقطعا لا يستهدف النظام المعهد لأنه من قلاع الاسلام. وقطعا لا يريد شيئا بصلاة الطلاب من عدمها. النظام أكثر شعبوية من ذلك.
على الإعلام المناضل الاستفادة من أخطاء الأصولية و تاريخها في الوصم و التكفير- الذي أعطاها طابعا ديماغوجيا- و البدء في نضال سياسي حقوقي أخلاقي.