المتجول في أي من مقاطعات ولاية لعصابه الست ؛ يلاحظ بكل وضوح أن المواطنين صاروا يتوزعون إلى أربعة طوابير ، وأن المنازل خلت من أهلها ، وانصرف الجميع ليأخذ كل واحد مكانه في الطابور.
ففي كل صباح تجتمع الأسرة كي تحسن توزيع أفرادها إلى أربعة أماكن؛ إن سمح عددها بالقسمة على ذلك الرقم (4) ، هذا التوزيع الذي لابد أن يراعي معايير معينة ؛ كالصبر وطول النفس، و القوة ، والقدرة على مقاومة الشمس أو البرد أحيانا ، ودرجة الخجل أو الكبرياء عند البعض، وكذلك إمكانية المبيت ، فلا يصح ذلك للفتيات مثلا، وهي المعايير التي لابد أن تتلاءم مع طبيعة المواقع ، فمن الأسهل للطفل مثلا أن يتم توجيهه إلى حانوت السمك فهنالك تكون الزحمة اقل والمحمول اخف.
على أن تذهب إحدى البنات إلى دكان "أمل " ، وأخرى يجب أن تبكر إلى دار التقييد ، وأما الشخص الأكثر نضجا كالأب أو الأم أو الولد الأكبر فهو من يليق لمواجهة الحاكم أو الوالي والالتحاق بالتالي بطابور طلاب الأعلاف !!
السكان في عواصم مقاطعات لعصابه لم يكونوا باستطاعتهم التعرف على مدنهم ، فقد بدل السكان غير السكان، وعمرت هذه المدن بسكان جدد ، حيث وفد كل سكان المقاطعة وانضموا للطوابير الأربعة!!
لا صوت بهذه الولاية الكبيرة في عام الجفاف هذا ، يعلو صوت الطابور ، ففيه ينام الناس وفيه يصلون أوقاتهم ، وفيه يسحر الصائمون وبه يفطرون ، وفيه ويتسامرون و يتذاكرون و فيه يتدافعون ويضرب بعضهم بعضا ويتخاصمون.!
لا ينتهي الطابور هنا بمغيب الشمس أو شروقها فهو صامد على مدار الساعة، كل ينتظر دوره .
في هذه الولاية لا يوجد وقت لدى الأسرة لتتعهد أطفالها أو تتفقد حالتهم الدراسية ، لا يوجد وقت لزيارة صديق أو عيادة مريض أو المشي في جنازة مسلم!!
جميع المواطنين مشدودون بضغط الحاجة وضيق ذات اليد إلى الطوابير الأربعة ، فلا يكاد أحدهم يقضي حاجته من أحدها حتى يتوجه إلى الآخر.
في موريتانيا الجديدة هاهم مواطنو لعصابه يخلدون أخيرا إلى الطابور، ففيه رزقهم وما يوعدون.! وقد تبين دون شك ما للطابور من حسم في إشغال هذه الجماهير وإلهائها عن أي نوع من الوعي "الشقي".
غير أن حديث المصطفين هؤلاء عن مرارة واقعهم و قساوة ما يعانون ،واسترجاعهم ، حجم الخدعة التي راحوا ضحيتها وهم يصدقون كلام من خولوه تولي شؤونهم ذات يوم.! قد ينتهي إلى نتائج عكسية فأماكن "الإحتجاز" هذه قد تتحول إلى بؤر للتذمر تقود إلى تمرد كاسح يضع نهاية لهذه المظاهر التعسة وهذا الأسلوب الموغل في احتقار الإنسان!؟
وكالة كيفه للأنباء