عند كل مرة يعلن بمدينة كيفه عن توزيع مجاني مهما كان تافها يهرع المئات من فقراء هذه المدينة عبر كل زقاق ومن كل حي إلى مكان ذلك "الرزق" فيتحلقون حوله في مشاهد تجعلك تظن الناس خارجة لتوها من زلزال مدمر أو من فيضانات ماحقة أو أنهم لاجئون يهربون من نير حرب مستعرة.
جول بصرك يوميا عند دكاكين أمل أو حوانيت السمك ترى ملئ بصرك من النساء والأطفال في طوابير طويلة للحصول على تلك الرزم الحقيرة.
سدد نطرك صوب أعلاف المفضوية "الردئية" ستخال أنك في يوم النشور.
ولو حضرت تقسيم كيلين من الأرز وعلبتين من غلوريا قامت به مؤخرا إحدى
المنظمات الخيرية مشكورة لوليت من المكان فرارا ولملئت رعبا، إذ امتدت الصفوف على طول عشرات الأمتار طمعا في تلك المنفعة التي لا
تسمن ولا تغني من جوع.
وإنك لتشعر بالكثير من التمزق الداخلي والتمرد الخارجي وأنت تشاهد تدفق فقراء المدينة يطاردون شاحنة تحمل "أسوء" عينة من سمك المحيط الأطلسي أمرت أن تلغي بشحنتها الحقيرة بمدينة كيفه.
ليس الجشع بالطبع هو ما دفع هؤلاء الأكارم إلى الصبر تحت أشعة الشمس الحارقة لقبض تلك الحاجات التافهة وهم الذين عرفوا على مر التاريخ بالكرم والإنفاق والتعفف والإيثار لكنه الفقر الذي كاد أن يكون"كفرا" .
إنها حاجة أمهات أرامل ومطلقات إلى أي شيء يعودون به إلى أطفال جياع تركوهم في أعرشة وأخبية لا معيل لهم غير تلكم النساء المتجولات بين الطوابير المنصتات لكل ما يجد في المدنية من خبر التوزيع.
إنها مشاهد تعري بشكل واضح وتفضح بطريقة لا لبس فيها ما يتردد على ألسنة المسؤولين في هذه الدولة من أعلاهم إلى أسفلهم؛ الذي لا يخجلون من ترديد الكذب والخداع ومغالطة الشعب.
إنها مناظر كافية لكل مسؤول من هؤلاء يكن لنفسه أدنى احترام ليقدم استقالته ويتوب من ذنبه.
لقد كتب لهذا الشعب أن يظل على هامش الحياة وأن لا يتذوق من ثروات بلاده غير أن يمد يده لتلك الأشياء الحقيرة ثم تصور في إعلام من يحكمونه بأنها النهضة والانجازات الكبرى التي عجزت عن تحقيقها الأحكام السالفة.
هذه الثروات التي تخول كل مواطن في "آدوابه " آفطوط و بلاجميل وأفله أن يمتلك منزلا وسيارة وراتبا وضمانا اجتماعيا وصحيا كافيا.
أيها الحكام المستبدون العاجزون الكاذبون انصرفوا عنا.
أيتها الحكومة الجبانة المتخاذلة المتآمرة غربي وجهك الحقير.
أيها المفسدون، مصاصو دماء الشعب وأمواله آن أن تذهبوا جميعا إلى غياهب النسيان والتردي.
إننا لم نعد نطق ذلك المشهد المخدش للكبرياء المدمر للكرامة، المسيئ للنخوة الذي تعمدتم زج أمهاتنا وأخواتنا فيه لتخلوا أنتم إلى الكؤوس الحمراء والصفراء وإلى الطيبات من الرزق في قصور منيفة وسيارات فارهة وظلال وارفة.
آن أن تكفوا عن احتقار أمهاتنا آن أن تملوا من الدوس على كرامتنا.
آن أن تنقضي تلك الطوابير البغيضة.