يعد الانتحار حسب المتخصصين أعلى درجات العنف ضد الذات، بل إنه المسمار الأخير في نعش الصحة العقلية، ومنهم من يضعه في الدرجة الخامسة من حيث تصنيف خطورة المرض النفسي، وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فهناك حوالي 3 آلاف حالة انتحار في كل يوم، وأكثر من مليون شخص يقدمون على قتل أنفسهم سنوياً.
لكن حجم الظاهرة وتكرارها بهذه السرعة أصبح أمرا مقلقا للعديد من المهتمين بالشأن المحلي في كيفه ، خاصة أن وقوع حالتين ضمن حيز جغرافي محدود جدا " بلمطار" في أقل من شهر واحد ، يعد أمرا مثيرا يجب أن يسترعي إنتباه السلطات المحلية، فهل يتعلق الأمر بعدوى نفسية خارقة ،أم للإمر علاقة بأزمة العطش الحادة التي تعيشها ساكنة كيفه عموما و بلمطار خصوصا، أم هو ضعف الإيمان و وطأة الأعراف الاجتماعية السائدة؟
يمكن للمراقب العادي لحالات الانتحار الثلاثة أن يسجل بكل بساطة التشابه في طريقة الانتحار فكل هن نسوة، و انتحرت بنفس الطريقة تقريبا، رغم فارق السن واختلاف الانتماء العرقي ، و المستوى الثقافي ، لكن ما يجمعهن هو الفقر و إعالة الأطفال.
ولو رجعنا إلى التفسيرات التي يقدمها ذوو المنتحرات فإن الحالة الأولى كانت تعاني من قرحة مزمنة ، و الثانية من إضطراب نفسي ، أما الثالثة فلم يلحظ عليها أي بوادر لأضطراب نفسي أو مرض عضوي، بل كانت تمارس عملها بشكل طبيعي في سوق كيفه كتاجرة، ويقول بعض العارفين بها أنها متحجبة وهو ما يجعلنا أمام إشكالية صعبة تتعلق بقوة الوازع الديني على ردع الانسان عن الإقدام على جريمة قتل النفس المرفوضة دينيا و اجتماعيا؟
سواء كان الدافع وراء ظهور هذه الحالات نفسيا أو عقليا أو مشكلة تتعلق بثقافة المجتمع و مشاكل الأسرة و العاطفة و تجنب الفضيحة، أو حتى الإنفتاح على الفضائيات و ما تنفثه المسلسلات المدبلجة من سموم في النفوس الضعيفة ، فإن هذه الظاهرة يجب أن تنال إهتمام الباحثين في المجال و أن تحظى بالرعاية اللازمة من طرف المنظمات النسوية و هيئات الدعوة و الإرشاد و السلطات الإدارية و المجتمع المدني.
حفظ الله كيفه وأهلها