آويت إلى غرفة النوم وأخلدت إلى الفراش مضطجعا على جنبي الأيسر، وأنا منهك من التعب والأرق، لأغط في سبات عميق، بعد أن أنساني الشيطان ذكر ربي، فلم أقرأ المعوذتين وآية الكرسي، مما جعلني لعبة للجان ومهزلة للشيطان، الذي صيرني أسبح في خيالات منكرة وأحلام مرعبة.
لقد رأيت فيما يرى النائم أنني في دولة تستعد للانتخابات، وكان شعبها يتكون من الطيور والأشجار والنباتات والحيوانات الأليفة، بينما كان المترشحون خليطا من الوحوش المفترسة والدواب المتوحشة.
وكانت هناك خمسة أحزاب سياسية تتكون من حزب الثقلاء: ويضم الفيلة والخنازير البرية، وحزب الأقوياء: ويجمع الأسود والنمور، وحزب البلداء: ويجمع الدببة والضباع، وحزب الأذكياء: وتنضوي تحته الذئاب والكلاب والثعالب.
كانت الأشجار والأعشاب قد عقدت اجتماعا تشاوريا بهدف التوصل إلى موقف توافقي من المرشح الذي سيصوتون له في الانتخابات، فانعقد إجماعهم على التصويت للأسود باعتبارها لا تشكل عليهم خطرا، ولا تقتات على أوراق الشجر والنبات، وذلك مقابل حمايتهم من عدوهم اللدود، الفيلة.
وعلى صعيد آخر كانت الإبل والبقر والغنم والغزلان والخيل والبغال والحمير قد دعت إلى اجتماع عاجل لتدارس الوضع!، فوقف كبش أبيض أقرن وقال يا قوم إن لي رأيا غير مشؤوم! فقالوا تكلم غير ملوم، فقال أنتم بين عدوين لدودين، الوحوش والفيلة، أما الوحوش فتأكل لحومكم وأما الفيلة فتنافسكم على الأشجار والأعشاب، فقالوا صدقت! فما هو الرأي؟ فقال أن تركبوا أخف الضررين، وتذوقوا أحلى الأمرين، وأن تنَسِقوا مع الثعالب والذئاب.. فهم أقل ضررا وأخف خطرا وأكثر دهاء وأحد ذكاء، فقالوا لقد أشرت بالرأي، لا قرَّب الله أجلك ولا أصابَت الذئاب مَقتلك.
كان حلف الأذكياء أول من نزل إلى الساحة، وجال في أطراف البلاد يستطلع آراء المواطنين وينظر في توجهات الناخبين، فعاد بنتائج مفادها أن كل الحيوانات الأليفة تتجه إلى دعمه، لكن دعمها ينطوي على أمور لا تصب في مصلحته، حيث يقتات على الغنم بشكل خاص وهي جزء من الأنعام، وأي تعهد لها سينجيها من الاصطياد وهذا أمر غير معقول، فلا بد من حل، فقال قائل منهم، الحل أن تتعهدوا للغنم أن لا تأكلوا ضعيفها ولا مريضها ولا صغيرها ولا عجوزها، ثم تبينوا لها أنكم أضعف أعدائها وألطف ألدائها، وإذا لم تصوت لكم فلن تجد أمامها إلا الأسود والنمور والدببة والضباع، وهي أكثر فتكا وأشد افتراسا وبذلك تجمعون لها بين الوعد والوعيد والترغيب والترهيب.
ثم أجريت الانتخابات وأفاق المراقبون على فوز كاسح وانتصار مدوي لحلف "الأذكياء" فلما علم "الثقلاء والأقوياء" بما جرى استشاطوا غضبا وطفقوا يدوسون الأرض بأقدامهم ويفترسون الناس بأنيابهم كالريح العاتية لا تذر من شيء إلا جعلته كالرميم!، فلما رأى حلف الأذكياء هذا المشهد سارع إلى احتوائه، فتكلم ثعلب مسن وقال يا قوم، لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها! تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن نتفاوض في تشكيل حكومة توافقية نتبادل بها المنافع ونتقاسم بها المصالح!
فلما سمعوا مقالته خفت زفراتهم وسكنت جوارحهم وقالوا هيَّا، أسمعنا ما عندك؟ فقد عهدناك مستودع الحكمة ومنبع الرشاد، فقال إن لك أيها الفيل ما على وجه الأرض من عشب ونبات وأودية وغابات! لا ينازعك فيها إلى ظالم مغرور أو صائلٌ مدحور، فتبسم ضاحكا من قوله وقال هكذا تكون الحكمة أو لا تكون، فقال: وللأسد كرائم النَّعَم من الإبل والبقر، وللنمر الخيل، وللدُبِّ البغال، وللضبع الحمير، ولنا نحن الغنم، فكشّر الأسدُ عن أنيابه وقال هذه قسمة ضيزى لن أرضى بها ما لم يكن لي من كل صنف نصيب ومن كل دابة سهم! فقال الثعلب: لا تستعجل يا أبا الحارث سيتنازل لك كل فريق منا عن ربع نصيبه، فقال لا، بل الثلث، والثلث قليل، فقالوا لك ذلك! وتفرقوا وصار كل منهم إلى فريسته.
كانت هناك قرية صغيرة تتألف من المواطنين المتمثلين في الحشرات الزاحفة، يهيئون أنفسهم لاستقبال الفيل بالتأييد والتمجيد في مهرجان حاشد عله يلبي لهم بعض المطالب، باعتبارهم من أنصاره السابقين، لكنه داسهم بأرجله -وهو لا يشعر- حتى ساخوا في الأرض، وصاروا يستنجدون جميع الكائنات دون مُنجد أو مُجيب.
فلما استيقظت من نومي بعد هذه الأحلام المفزعة والخيالات المرعبة، سمعت الناس يتحدثون عن الانتخابات، وقد هيئوا لها البطاقات وعبئوا لها الطاقات! فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم ودعوت الله أن يجعل بلادنا آمنة مطمئنة إلى يوم التناد وأن يجنبها زيغ أهل الزيغ وفساد أهل الفساد...