من يرفض الحوار: بقلم محمد فال ولد بلاّل
وكالة كيفة للأنباء

يتعرّض الرأي العام الموريتاني والدّولي لقصف إعلامي شديد يُرَوِّجُ زَيْفا لإرادة مزعومة لدى النّظام في التّشاور مع القوي السياسية والمدنية المؤثّرة في البلاد بخصوص الانتخابات الرئاسيّة القادمة. ويدّعي زورا بأنّ المُنْتدى هو من يُعرْقلُ الحوار ويرْفُضُ الوفاق. ما هي الحقيقة؟ وما ذا جرى؟ وكيْف جرى؟ وما الذي يُخطّط له النظام؟ وماذا ينتظر الساحة الوطنية في الأسابيع القليلة القادمة؟؟؟

أسئلة كثيرة و غيرها تتبادر إلى الأذْهان ، و تحتاج إلى أجوبة صادقة و صريحة كيْ يعرف الشعبُ حقيقة ما جرى بشأن الحوار ، و منْ سعى لإنجاحه ، و منْ أصرّ على عرقلته و إفشاله.

بإيجاز شديد ، لقد تبيّن أنّ الحكومة لم تَحْضُر أصْلا إلى قصر المؤتمرات بنيّة إجراء حوار جادّ و بنّاء مع الأطراف الأخرى ، بل جاءت فقط لتؤكّد موقف الرئيس الذي أعلن عنه في انواذيبو ، " بلاءاته " و " نَعَمِهِ " : لا للحكومة التوافقية...لا لمراجعة الأجندة الانتخابية... نعم للتشاور فيما عدا ذلك لمدّة 5 أيام [ هي المدّة المتبقيّة على استدْعاء هيئة النّاخبين في 21 ابريل] بالله عليكم ، هل يُعقل أنّ طرفا جادّا و حكيما يأتي إلى طاولة حوار يُرادُ له النجاح ، و يفعل مثل ما فعل النظام عندما وضع خطوطا حمراء غير قابلة للنقاش ، و أعطى مُهْلة 5 أيام للنّظر في الضّمانات المطلوبة لنزاهة الانتخابات ؟ هل يُعقلُ هذا ؟

في أوّل وهلة ، و في إطار مساعيه الهادفة إلى الوفاق وإنقاذ الموقف ، تنازل المنتدى عن رأيه بخصوص مدّة الحوار ، و أعرب عن استعداده للتغاضي عن استدعاء هيئة النّاخبين مقابل التزام السّلطة باعتماد أية أجندة توافقيّة قد يتوصّلُ إليها الأطراف...رفض النظام هذا الاقتراح الوجيه ...و كان ردّه : " نحن مستعدّون لمواصلة الحوار معكم لمدّة 12 يوما ، أو شهرا كاملا ، أو أكثر... و لكن حول انتخابات رئاسية غير التي تهمُّ البلد في الحال ، لأنّ هذه الانتخابات مُحدّدَةَ الآجال دستوريا ...و نحن في دولة قانون و يحكمنا الدستور ، إلى آخر النُّكْتة..." و رغْمَ ذلك ، حرص المنتدى على أن تبقى الاتصالات جاريّة قدر المستطاع ، و اسْتمرّ في مساعيه الرّاميّة إلى تجاوز إشكالية الأجندة الاحاديّة المفروضة من قِبَلِ النظام...إلى أنْ صدر المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء هيئة الناخبين ليوم 21 يونيو القادم...

و بعده مباشرة ، تقدّم فخامته بإيداع ملفّ ترشحه لدى المجلس الدستوري ليطلق رصاصة "عدائيّة " على الحوار المُحْتَضِرِ أصْلا...عنْدها ، أعلن المنتدى بهدوء و مسؤولية رفضه لأيّ قرار انفرادي يتّخذه النظام ، مُعْربا في الوقت ذاته عن تمسّكه بالبحْث عن التوافق ، و استعداده للحوار متى أرادت الحكومة تصحيح المسار ، و قبلت بأن تنساق إلى تفاهمات متوازنة تضمن شفافية الانتخابات ضمن أجندة متفق عليها...و منذ ذلك الوقت و الكرة تترنّحُ في ملعب النظام...

هكذا جرت الأمور ، و هكذا هي الحقيقة التي تريدُ الحكومة إخفاءها تحت ضجيج إعلامي مُكثّف يزعم أصْحابُهُ أنّها مستعدّة لمناقشة الضّمانات المقدّمَة من طرف المنتدى ، بما فيها تجديد الهيئات الفنّية المُشرفة على الانتخابات ، إلخ... و لكن السؤال الذي يطرحُ نفسهُ هو : ما الفائدة من تنازلات قد يقبل بها النّظام أوْ يعِدُ بها إذا لمْ تُعْطَ تلك التنازلات [إنْ وُجِدَتْ] الوقت الكافي لتنفيذها و مباشرة العمل بها ؟ ما الفائدة من لجنة مستقلة جديدة ، أو مجلس دستوري جديد ، أو وكالة جديدة للحالة المدنية ، أو إحصاء جديد ، أو تعليمات جديدة للجيش و الادارة بالتزام الحيّاد ، أوْ أيّ إجراءات إصلاحيّة أخرى قد تخطر على بال أحد...إذا كان موعد الاقتراع لا يتعدّى 6 أسابيع ؟؟؟

هل من عاقل يتوقّع نتائج ملموسة قبل 21 يونيو لأيّ إجراءات يتمّ اتخاذها الآن ؟؟؟ طبْعا لا... لهذه الأسباب ، فإنّ الحكومة هي التي وأدت الحوار قبل أن يبدأ بإصرارها المطلق على إجراء انتخابات في 21/6 على مقياسها ، و طبقا لأجندتها الخاصّة ، و لذلك ، فهي تتحمّلُ مسؤولية إفشاله ، و تضييع فرصة سانحة أخرى بعد فرصة الانتخابات النيابية و البلدية الماضية للبحث عن توافق وطني يُخرج البلاد من أزمة طال أمدُها.

اللاّفت للنظر في تسلسل ما جرى ، هو إصرار النّظام على إجراء انتخابات من ذلك النّمط الذي اعْتاده الموريتانيون منذ ميلاد الدولة [باستثناء 2007]، إلى الآن ، حيث تكون النتيجة معلومة سلفا...ويكون الرّئيس الحالي هو الرّئيس القادم...و يكون الشكلُ هو الحاضر ، و المضمون هو الغائب... و تُوَفّي الطّقوس الاستعراضيّة حظّها ، بدءا بنشر اللوائح على الانترنيت ، و انْتِهاء بفرز نتائج تُعْلنُ على أمواج الأثير ، مُرُورا " بِتَعَدُّد " المرشحين ، و إطلاق حملات دعائيّة صاخبة ، و اقتناء صناديق زُجاجيّة من السّوق ، و حبر لاصق ، و بطاقة موحّدة ، و تعْيين لجنة "مُستقلة " ، و محاضر... إلى غير ذلك من الطقوس المشهودة في العالم الحُر ،،، و التي تُجْرى هُنا على سبيل التّجَمُّل و المُحاكاة و التّضليل...

الخطير في موقف النّظام و الاعلام التّابع له هو سّعْيُهُ بوضوح إلى تزْييف وعْي النّاس عبْرَ إقناعهم برغْبة الحكومة في الحوار ، و بجديّة الانتخابات القادمة ، و مصداقيتها ، و تجاهل الحقائق الكبرى المحيطة بالمشهد الانتخابي فيما يتعلّق بعدم تكافؤ الفرص بين المرشحين المحتملين ، و انحيّاز الدولة و مؤسساتها لمرشّح بعيْنه بما ينزع الصّفة التنافسية عن العمليّة برُمّتها ، بصرف النّظر عن عدالة القوانين.من عدمها...و الأخطر من ذلك ، هو توظيف طاقات دعائية هائلة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء...إلى البطل المنقذ ، و القائد الفذ ، و اختزال الوطن و قضاياه في شخص واحد [ لم تلد النّساء مثله ]... يسافر إنْ هو سافر ، و يمرض إن مرض ، و يضحك إن ضحك ، إلخ...ما هو آت في قادم الأيام من حملات و مبادرات و عمليات انتخابية...ما هو إلاّ نسخة مُعادة و مُعْتادة من مشاهد سابقة ، أكل عليها الدّهر و شرب...دولة تقف بكامل قوّاها وراء مرشّح...و رئيس أصْلُهُ ثابت في الانقلابات يخلف نفسه بواسطة صناديق الاقتراع ،،، أيْن الجديد في هذا ؟؟؟ و كم مرّة عشنا و شاهدنا مثل هكذا مشهد ؟؟؟ لقد كان الشعب الموريتاني دوْما و لا يزال ينظر إلي رئيس الوقت كما ينظر لسائر المُتَغَلّبين [السّابقين منهم و اللاّحقين]...نظرة تتلخّص في شِعْر جميل يُدَرَّسُ في الجِنَاس و الطّباق ضمن البلاغة في المحظرة ، يقول صاحبُهُ :

إذا رَمَـــاكَ الدّهرُ في مَعْشَــر ’’’’’ أجْمَعَ النَّـــاسُ علَى بُغْضِـــــهِم

فَدَارِهِمْ مَا دُمْتَ فـي دَارِهــــِم ’’’’’ وَ ارْضِهِمْ مَا دُمْتَ في أَرْضِهِم

وَ حَيِّهِمْ مَا دُمـــْتَ في حَيِّهِـــم ’’’’’ ................................


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2014-05-03 04:52:22
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article6580.html