لا يجرؤ المسئول فينا أن يلوح بأي قرار تافه مهما كان ليضبط به عمله ناهيك أن يتخذه والعبرة في ذلك لاتوجد فيه، فهو الذي تجده فينا ذو باع طويل في غير إدارته وذو حنكة ودهاء مع خصومه ولبيب أريب في جل معضلاته وذو بأس شديد مع محتاليه.
فأما الشأن العام فهو عاجز في إدارته فاشل مع طاقمه يرضى الخنوع لكل ناعق والجلوس مع كل مائع لا خوفا من هذا ولا رغبة في ذاك وإنما يرى فيه أنه الأحوط والأسلم في حفظ وظيفته.
(فدعني أعيش) عصا سحرية يرددها كل مسئول يريد البقاء في عمله فهي شعار المرحلة ومنتهى أمل الحكومة كما يظن. فمفوض الأمن يعرف اللصوص والمجرمين كمعرفة أبنائه إلا أن شيوخهم ووزراءهم والنافذين في الدولة المتعاطفين معهم يجعله يتردد ألف مرة ومرة في أن يقبض على واحد منهم.
والمدير الجهوي للتعليم يعرف مدارسه السياسية التي لا وجود لها إلا على الورق وجيش المعلمين والأساتذة السائبين في النقل والتجارة وحتى في الفراغ بين مواعين الشاي على حساب تأدية واجبهم، إلا أن المدير الجهوي يرتعد حين يخطر على باله غلق أبواب مدارسهم ويرتعش ويتلعثم حين يهم بزجر أحدهم.
وقس على هذا المنوال فروع العدالة والتنمية والتجارة وكذلك أهل الصحة فهم يعرفون كل جزار يجهز على مرضاه بالإهمال ومن ينفث سموم الأدوية المزورة والمنتهية داخل عيادته. والوالي فوق كل هذا مكبل يخشى أن يمس وترا حساسا يعصف بوظيفته.
فالدولة في قرارة نفسه لا تريد الكفاءة منه ولا الخبرة ولا إقامة المعوج ولا إعانة المعوز. ففي موسم الزيارات الكرنفالية يجمع حفنة من المرتزقة و المصفقين غالبا وقد يتخللهم واحد أو اثنان من أهل الشأن في تحسين الديكور لا غير، هؤلاء يثنون على كل مسؤول في الولاية ويعلنون الولاء التام للرئاسة و بهذا يحظون باكتتاب عقدوي أو تمويل تعاونية و الأولوية بالمشاريع المقبلة بل يكونون من أهل الحظوة. هذه الحفنة مع وزير الشؤون الإسلامية هم الأئمة ومع وزير الشباب و الرياضة هم الشباب و هواة الكرة ومع وزير الداخلية هم الوجهاء فهم كالحرباء مع كل وزير لهم لون. فمتى يشعر المسؤول فينا أن لا رقيب عليه إلا الكفاءة والخبرة والقانون وبقدر ما تتحرر إرادته و تتجرد عاطفته من الزبونية و الرشوة والنفاق يزيد رصيده عند صناع القرار السياسي في القصر الرمادي ومتى نكبح النافذين في الدولة ولجم المفسدين فيها عن إكراه المسؤولين فينا