لقد استغل الرئيس مؤتمره الصحفي في العاصمة الاقتصادية ليرسل ثلاث رسائل بالبريد السريع والمضمون إلى صندوق بريد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وتتلخص هذه الرسائل الثلاث في:
1ـ أنه، أي الرئيس، لن يقبل تحت أي ظرف بتشكيل أي حكومة موسعة.
2 ـ أن بإمكانه أن ينظم انتخابات رئاسية في ظل غياب كامل للمعارضة.
3 ـ أنه لن يتردد بالقيام بكل ما يمكن أن يهز ثقة المعارضة من قبل بدء الحوار، وأن يشككها بالتالي في جديته، وبأن الحوار القادم لن يختلف عن كل الحوارات التي سبقته (لاحظوا أنه منذ بدأ الحديث عن الحوار، ومنذ بدأ الوزير الأول في استقبال قادة المعارضة ظل الناطق الرسمي باسم الحكومة يبعث ـ وعلى وجه السرعة ـ برسائل سلبية جدا بعد كل لقاء. فبعد لقاء الوزير الأول برئيس اتحاد قوى التقدم صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن ذلك اللقاء لم يكن إلا مجرد لقاء عادي يدخل في إطار انفتاح الحكومة على المواطنين العاديين. وبعد لقاء الوزير الأول بالرئيسين "صالح" و "كان" سارع الناطق الرسمي باسم الحكومة إلى وصف المعارضة بأنها مجرد نمر من ورق. كما أنه، وإمعانا في إرسال الرسائل السلبية، كرر بعد كل تلك اللقاءات، وفي أكثر من مناسبة، بأن موعد الانتخابات الرئاسية لن يتأجل ولو لدقيقة واحدة. أما الآن وبعد التطمينات الجديدة التي بعث بها الوزير الأول، والتي أكد من خلالها، بأن الحكومة ستشارك في الحوار التمهيدي، وبأنها لن تضع خطوطا حمراء، فإذا بالرئيس نفسه، ومن خلال مؤتمره الصحفي، يضع من قبل الحوار خطا شديد الاحمرار، ويقول وبلغة حاسمة وقاطعة بأنه لن يقبل تحت أي ظرف بأي حكومة تشارك فيها المعارضة). يضاف إلى ذلك كله إدعاء الرئيس في مؤتمره الصحفي بأن المعارضة لا السلطة هي من يماطل ومنذ شهر في الدخول في الحوار، وأنها هي من يضيع الفرصة في كل مرة. وبالتأكيد فإن كل ذلك لن يساهم في تعزيز الثقة لدى المعارضة في جدية الحوار القادم، خاصة أن المعارضة ظلت دائما تطلب من النظام بأن يبعث لها برسائل تعزز من ثقتها، فإذا به يتعمد وفي كل مرة بأن يبعث برسائل تهز تلك الثقة المهزوزة أصلا.
تلكم كانت ثلاث رسائل هي الآن في بريد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وعلى المنتدى أن يرد عليها بشكل حاسم من خلال مهرجان المنعطف الحاسم.
وفي انتظار رد المنتدى على تلك الرسائل الثلاث، فإنه قد يكون من الضروري أن أوضح بعض الأمور المتعلقة بما بات يُعرف بالحكومة ذات الصلاحيات الواسعة بلغة المنتدى، أو الموسعة أو التوافقية بلغة الصحافة الوطنية.
إن وثائق المنتدى، والتي تبقى هي المرجع الأساسي للمنتدى، قد تحدثت عن هذه الحكومة التوافقية بالصيغة التالية : "حكومة ذات صلاحيات واسعة تحترم قوانين الجمهورية، برهنت التجارب الأخيرة أنها الضامن الأمثل للحياد التام للإدارة، وتمنع توظيف المصالح والخدمات العمومية في المنافسة السياسية."
ولذلك فالمنتدى، وحسب وثائقه، لا يعتبر الحكومة التوافقية شرطا لابد منه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وإنما يعتبرها هي الضامن الأمثل لحياد الإدارة، ولذلك فيمكن القول بأنه إذا ما تم التوصل خلال الحوار إلى إيجاد آليات أخرى تضمن حياد الإدارة، فإن المنتدى لن يرفضها، ولن يظل متمسكا بمطلب الحكومة ذات الصلاحيات الواسعة، ولكن قبل تقديم تلك الآليات من طرف الحكومة فإن المنتدى ـ وهذا من حقه ـ سيظل متمسكا بالحكومة ذات الصلاحيات الواسعة.
المهم بالنسبة للمنتدى أن تكون هناك آليات واضحة لضمان حياد الإدارة، وأن يكون بإمكان تلك الآليات أن تبعد الجيش وقياداته عن الدخول في المعترك السياسي، وأن يكون بإمكانها أيضا أن تعاقب، وأن توقف ـ وبشكل فوري ـ كل محاولة يقوم بها أي موظف حكومي باستخدام المال العام أو هيبة الدولة للتأثير على تصويت المواطنين.
هذا ما يطالب به المنتدى، وهذا ما يشترطه، وسواء بالنسبة للمنتدى أن يتحقق ذلك الشرط في ظل حكومة ذات صلاحيات واسعة، أو يتحقق في ظل منح صلاحيات أوسع للجنة مستقلة جديدة للانتخابات، أو لمرصد جديد للانتخابات، أو لأي هيئة أخرى يكون لها من الصلاحيات ما يمكنها من إبعاد الجيش عن السياسة، ومن معاقبة وفصل أي موظف يتجرأ لاستغلال المال العام أو هيبة الدولة في التأثير على العملية الانتخابية.
ذلكم إيضاح كان لابد منه لكشف اللبس عن الشرط أو الضمان المتعلق بالحكومة ذات الصلاحيات الموسعة.
وبالعودة إلى الرد المناسب على الرسائل الثلاث التي أرسلها الرئيس إلى صندوق بريد المنتدى، ففي اعتقادي الشخصي بأن هذا الرد يجب أن يكون على النحو التالي:
1 ـ لا حوار إطلاقا ما دام هناك أي خط أحمر يتم وضعه من قبل الحوار، سواء تم وضع ذلك الخط الأحمر من طرف الناطق الرسمي باسم الحكومة، أو من طرف الرئيس نفسه.
ويبقى من حق النظام أن يدخل الحوار، وهو ليس في نيته أن يقبل بحكومة ذات صلاحيات موسعة، ولكن عليه في هذه الحالة أن يقدم بديلا لها، وأن يكون ذلك البديل مقنعا للمعارضة، أي أن يكون بإمكان ذلك البديل أن يضمن تنظيم انتخابات رئاسية في ظل حياد كامل للإدارة.
من حق الحكومة أن تدخل الحوار وفي نيتها أنها لن تقبل بحكومة موسعة، ولكن ليس من حقها إطلاقا أن تقول ومن قبل البدء في الحوار بأن قضية الحكومة الموسعة هي من الخطوط الحمراء التي لا يمكن أن يتم نقاشها. وإذا ما أصرت الحكومة على ذلك القول، فعلى المنتدى أن يصر ـ وبشكل حاسم ـ على رفض المشاركة في الحوار المنتظر. فالحوار القادم يجب أن يبدأ جديا، وبلا خطوط حمراء أو أن لا يبدأ أصلا.
2 ـ أما فيما يخص الرد على الرسالة القائلة بأن الانتخابات القادمة يمكن أن تنظم في غياب كامل للمعارضة، فعلى المنتدى أن يرد عليها وبشكل حاسم أيضا، وأن يرسل رسالة صريحة وفصيحة من مهرجان الحسم تقول بأن المشاركة في الانتخابات الرئاسية ليست هدفا بحد ذاتها، وأن المنتدى سيقاطع أي انتخابات رئاسية قادمة لا تتوفر على الضمانات الكافية والضامنة لحياد الإدارة.
إن على المنتدى أن يرسل رسالة قوية للنظام مفادها أن الانتخابات التشريعية الماضية ليست كالانتخابات الرئاسية القادمة، وأن المنتدى في هذه المرة سيكون متماسكا، وسيكون بإمكانه أن يقاطع وبكل مكوناته الانتخابات الرئاسية القادمة إذا لم توفر الحكومة من قبل تلك الانتخابات الضمانات اللازمة لحياد الإدارة.
على المنتدى أن يؤكد للنظام بأن الانتخابات التشريعية ليست كالانتخابات الرئاسية، وأنه إذا كان من الممكن أن ينسحب حزب من كتلته بحثا عن عمدة هناك، أو نائب هناك، في انتخابات تشريعية، فإن الأمر يختلف في الانتخابات الرئاسية، وذلك لأن المتنافس عليه هو مقعد واحد، ولذلك فلن يكون هناك ما سيغري أي حزب سياسي بالانسحاب من كتلته، وبالمشاركة في انتخابات رئاسية ينافس فيها على مقعد واحد، ليس هناك أي احتمال، حتى ولو كان واحدا على المليون لأن يفوز به غير مرشح السلطة.
3 ـ إن على المنتدى أن يرسل رسالة قوية للسلطة مفادها أن لكل شيء ثمنا و كلفة لابد من دفعها، فلمشاركة المنتدى في الانتخابات القادمة، وبالتالي تشريعها، وإضفاء مصداقية عليها، ثمنا يجب على السلطة أن تدفعه مقدما، وهذا الثمن يتمثل في توفير كل الضمانات الممكنة لحياد الإدارة، لأن ذلك وحده هو الذي سيغري المنتدى بالمشاركة في الانتخابات لأنه سيجعل احتمال فوز مرشح معارض ممكنا، حتى ولو لم يكن ذلك الاحتمال قويا. أما في ظل غياب أي احتمال لفوز أي مرشح معارض فإن المشاركة ستكون في هذه الحالة عملا عبثيا لا يليق بالمنتدى، ولا بأي من مكوناته أن يشارك فيه.
إن ما على الرئيس أن يفهمه هو أن أي انتخابات في ظل غياب المنتدى، والذي يجمع اليوم ما لم تجمعه أي كتلة سياسية في تاريخ البلاد (أحزاب سياسية، نقابات، منظمات مجتمع مدني، شخصيات مستقلة..) لن تكون لها أي مصداقية إطلاقا.
وعلى الرئيس أن يعلم بأن خسارة المنتدى ستكون أقل بكثير من خسارة الرئيس، في حالة إذا ما أصر الرئيس على أن ينظم انتخابات رئاسية غير توافقية يغيب عنها المنتدى، وبكل ما يمثل من أحزاب سياسية، ومن نقابات، ومن منظمات مجتمع مدني، ومن شخصيات وطنية وازنة.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل