النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين النائب الأول لرئيس اتحاد قوى التقدم ورئيس الفريق البرلماني لنفس الحزب، معروف في البرلمان بمداخلاته الحادة والجريئة، التقته "المستقبل" في حديث شامل تحدث فيه عن رؤيته للأزمة السياسية والحوار ما بين المعارضة والأغلبية والوساطات الغربية التي تم الحديث عنها، والخطط الحكومية لمواجهة الجفاف والقضاء علي الأحياء العشوائية مع استشراف للمستقبل.
المستقبل- ما هو تقييمكم للوضعية العامة للبلد؟
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين : بصورة مختصرة فإن البلد يجتاز أزمة متعددة الجوانب: اقتصادية و اجتماعية و سياسية ، و مؤسساتية و أمنية ، و هذه الأزمة عائدة بالدرجة الأولى إلى انقلاب السادس من أغشت 2008 ، و إلى السياسات الخاطئة التي أعقبت ذلك الانقلاب ، بحيث أوصلت البلاد الآن إلى وضع لا يمكن أن تستمر فيه ، فمن ناحية هناك الأزمة الاقتصادية العالمية التي تؤثر تأثيرا قويا على اقتصاد البلد، و هناك الأداء الاقتصادي السيئ لحكومة محمد ولد عبد العزيز ، و المتمثل في نهب الثروات الوطنية من طرف الشركات متعددة الجنسيات ، و الفساد المالي المستشري في جميع مفاصل الدولة ، و في الوضع المتردي الذي يوجد فيه رأس المال الوطني ، حيث أرغم البعض من الفاعلين الاقتصاديين على الهروب من البلاد و البحث عن مكان آخر لاستثمار أموالهم.. و هناك أيضا الأزمة الاجتماعية الناجمة عن هذا الوضع الاقتصادي السيئ ، و المتمثلة في جمود الرواتب ، بحيث أنه منذ قدوم ولد عبد العزيز إلى السلطة لم تعرف الرواتب أي زيادة، رغم ارتفاع الأسعار المضطرد ، حيث أصبحت خنشة الأرز اليوم بإثنى عشر ألفا و خمسمائة أوقية و علبة اللبن (روز) بمائتان و خمسون أوقية بدلا من مائتي أوقية ، و هناك ارتفاع متواصل أسبوعيا لأسعار المحروقات ، هذا بالإضافة إلى هلاك المواشي ، التي يعيش عليها أكثر من 70ّ% من سكان الريف ، و تدني الزراعة خصوصا الزراعة المطرية و انعدام مردوديتها هذه السنة ، مما جعل المنمين و المزارعين ينضمون إلى جيوش العاطلين عن العمل ، و الجياع.
و قد وصلت تقديرات بعض المنظمات الدولية إلى أن حوالي ربع السكان مهددون بالموت جوعا في هذه الأيام ، وقد نتج عن هذه الوضعية بطالة تضرب حوالي ربع السكان أيضا خصوصا القوة النشطة في البلد ، هذا مع تردي التعليم و الصحة الذي أدى إلى الإضرابات المتتالية و المتلاحقة للطلاب قي الجامعة و المعهد العالي و جامعة لعيون، و ما طلاب الثانويات من ذلك ببعيدين ، فهم قد يلتحقون بهم في أي وقت.
هذه الوضعية الاجتماعية ، أدت إلى مجموعة من الاحتجاجات ، هناك عمال المناجم حوالي ثلاثة آلاف عامل يطلق عليهم المداومون في أسنيم يهددون بالإضراب هذه الأيام ، و هنالك الأساتذة كانوا في إضراب و يهددون بإضراب نهاية هذا الشهر ، و هناك العمال غير الدائمين أيضا يتحركون للتعبير عن مطالبهم . مما يعني أن جميع هيآت المجتمع ، و خصوصا الفئات الدنيا منه تتحرك للدفاع عن و جودها للحصول على لقمة العيش الكريم ..
هناك أيضا الأزمة السياسية ، و هي تتمثل في انسداد الآفاق أمام أي حل لهذه الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و أمام أي حل سياسي، فبعد أن أتفق الأطراف السياسيون في اتفاق دكار علي إجراء انتخابات نزيهة و شفافة ، في يوليو 2009 ، و اتفقوا في نفس الوقت على مواصلة الحوار حول عودة البلاد إلى المسار الديمقراطي ، و الوضع الدستوري السليم ، انقلب ولد عبد العزيز على هذا الاتفاق و رفض الدخول في حوار بعد الانتخابات مع المعارضة ، و بالتالي عادت الأزمة السياسية إلى أوجها ، ومنذ ذلك الوقت و المعارضة تطالب بالحوار على أساس اتفاق داكار وو لد عبد العزيز يماطل ، و في هذه المماطلة لجأ إلى مختلف الحيل و الألاعيب لتقسيم المعارضة ، فبداية افتعل حوارا صوريا مع حزب عادل ووقع معه اتفاقا لم يطبقه، و بعد ذلك حاول الاتفاق مع أحمد ولد داداه و لكن أحمد ولد داداه أدرك الحيلة و ابتعد عنه، ثم جاءت محاولته لكسب ود مسعود و جماعته إلى صفه عن طريق ما سماه حوارا ، و لكن ظهرت نتائج هذا الحوار هزيلة، و دخل في نطاق المناورات المكشوفة لتمزيق صف المعارضة ، و الآن المعارضة الملتئمة في منسقية أحزاب المعارضة ترفض نتائج هذا الحوار و حتى المعارضة التي حاورت لم تعد متحمسة لهذه النتائج .
أما على مستوى الأغلبية فهناك استياء و حتى تمرد ، حيث انسحبت أربع أحزاب من التحالف الرئاسي في الأشهر الستة الأخيرة، و هناك أحزاب أخرى تتململ و تهدد بالانسحاب، فلا يوجد من هو راض في الأغلبية عن أداء حكومة ولد عبد العزيز ، و لكن المؤسف حقا هو أن ولد عبد العزيز يصر على التمسك بالسلطة و يصر كذلك على الاحتفاظ بها مهما كلف الثمن . فهو يرفض أي تفاهم أو حوار جدي مع المعارضة من أجل حل هذه الأزمة و بالتالي فإن الآفاق لا تعتبر مشرقة بالنسبة لنظام و لد عبد العزيز ، نظرا لكل هذه المشكلات التي أشرت إليها و أعتقد أن نهايته لم تعد بعيدة .
المستقبل: بوصفكم نائبا في البرلمان أبلى بلاء حسنا في الدورات البرلمانية، بما تفسرون طعنكم في الدورة البرلمانية الحالية ومشاركتكم فيها والاستفادة من امتيازات البرلمان؟
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين : نحن نطعن في شرعية الدورة البرلمانية لأسباب واضحة ، هو أن المنظومة القانونية في بلدنا لا تسمح بتأجيل الانتخابات ، إلا عبر ثلاث طرق :
الطريقة الأولى هي حل البرلمان ، و هذا الحل لا يمكن اللجوء إليه إلا قبل نهاية مأمورية البرلمان ، و يسمح للحكومة بمهلة لا تتعدى شهران ، ليمكنها ذلك من ترتيب أمورها إذا كانت هذه الفترة كافية. و الطريقة الثانية هي اللجوء إلى قانون دستوري تتخذه الغرفتان مجتمعتين ، يسمح بتمديد مدتهما، و لكن من شرط هذا الإجراء أن يتم أثناء مأمورية البرلمان . و الطريقة الثالثة هي أن يحدث إجماع و طني بين كل الفرقاء السياسيين ، على تأجيل الانتخابات أو تعجيلها كما وقع في اتفاق داكار ، الذي سمح بتنظيم انتخابات رئاسية قبل أوانها و بالعودة إلى النظام الدستوري بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب، الطريقتان الأوليان تجاوزهما التاريخ لان البرلمان انتهت مأموريته في 13من نوفمبر الماضي ، و بالتالي أي حل للبرلمان أو تمديد لمهلة البرلمان لم يتخذا قبل ذلك ، لم يعودا صالحين ، لان البرلمان لم يعد موجودا و بالتالي لا يمكنه أن يمدد مأموريته ، نحن الآن إذن في أزمة مؤسساتية حقيقية لم يعد لدينا برلمان ، الحكومة لا أعرف هل جهلا منها أو تجاهلا لم تتخذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب ، و عجزت عن تنظيم الانتخابات ، لأنها حطمت الحالة المدنية التي على أساسها يمكن وجود لائحة انتخابية سليمة ، و على أساسها يمكن إعداد بطاقات التعريف الضرورية للتصويت ، إلى أن انتهى أجل الانتخابات ، و بالتالي أخذت تتخبط .
ففي البداية مددت عن طريق مرسوم فترة صلاحية بطاقة التعريف و هذا غير صالح فنيا و لا قانونيا، و ثانيا أجلت الانتخابات عن طريق مرسوم و هذا غير قانوني ، و عندما أدركت أن هذا غير صالح ، حاولت تصليحه عن طريق استشارة المجلس الدستوري ، و المجلس الدستوري لم يزد على أن إفتائها أنه من الممكن أن تستمر مأمورية البرلمان إلى بداية مايو ، لكن المجلس الدستوري غير مختص في تأجيل الانتخابات لان مهته تنحصر في مطابقة القوانين للدستور و في البت في الخلافات الانتخابية ، و تأجيل الانتخابات لا يدخل في هذا الإطار ، و بالتالي أصبحنا في أزمة قانونية حقيقية ، نتيجة لجهل الحكومة أو تجاهلها .
أما لماذا نحن باقون في البرلمان ، و لماذا نواصل مهمتنا كبرلمانيين ، فهو ناتج عن استشارة كنفس الاستشارة التي قلنا فيها بعدم صلاحية البرلمان ، وهذه الاستشارة تقول أيضا أن عدم صلاحيته لا تمنع البرلمان من الاستمرار، حتى يتم تجديده و يأتي برلمان مكانه.
من الناحية القانونية يعتبر البرلمان مستمرا لكنه فاقد الصلاحية ، مثاله مثال الحكومة المقالة ، ما دامت لم تأت حكومة محلها ، فهذه تقوم بتسيير الأعمال ، يعني نحن الآن في برلمان مهمته تسيير الأعمال ، لان القانون الدستوري لا يسمح أيضا بفراغ المؤسسات ، إذن هذا هو الذي جعلنا نواصل مهمتنا، هذا من الناحية القانونية. و من الناحية السياسية أيضا نحن منتخبون من طرف جزء من الشعب مهم و كلفنا بالدفاع عن مصالحه و برقابة الحكومة و مادام البرلمان قائما فسنواصل مهمتنا حتى يأتي برلمان آخر .
المستقبل: يدعي خصومكم أن دعوة منسقية المعارضة لتحمل الجيش لمسؤولياته لا تعدو الدعوة لانقلاب عسكري،كيف تردون؟
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين : المنسقية لم تتخذ موقفا بهذا المعنى ، أما تصريحات بعض أفراد المنسقية ، فهذا لا يلزم إلا هؤلاء ، نحن في المنسقية ضد الانقلابات ، ونحن نتبنى التغيير الديمقراطي السلمي، هذا هو أسلوبنا و هذا هو منهجنا ، طبعا النظام الحالي لا يتيح الفرصة لهذا التغيير السلمي الذي نحن متمسكون به ، و بالتالي قد ينجر عن تعنت النظام القائم ، حلول أخرى ، من بينها الانقلابات و من بينها الثورات إلى غير ذلك ، لكن المسؤول عن ذلك هو النظام وحده ، و أما نحن فلا ندعوا إلا إلى حل ديمقراطي و سلمي .
المستقبل: ولد عبد العزيز صرح في وقت سابق بأن باب الحوار يظل مفتوحا وهو ما رأيتم فيه إقرارا بفشل الحوار السابق، فما الحل إذا؟
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين : الحل هو حوار على الأسس التي أعلنت عنها منسقية المعارضة ، يعني حوارا يستجيب للشروط التي تم الإعلان عنها من طرف المنسقية ، و العودة إلى اتفاق دكار ، و التوقف عن القمع و خاصة للمظاهرات السلمية والتعهد بحياد الإدارة ، و فتح وسائل الإعلام على مصراعيها أمام كل الفاعلين السياسيين ، حكومة و معارضة ... إلى آخره ، يعني توفير هذه الشروط من أجل الدخول في حوار مع المعارضة هذا هو الحل ، الرئيس ولد عبد العزيز يرفض هذه الشروط ، و بالتالي يرفض أي حوار جدي ، و ما دام يرفض هذه الشروط ، فلا أرى حلا في الأفق المنظور .
المستقبل:سيدي النائب أنتم من السياسيين المحنكين في هذا البلد، وأنتم تدركون أن الطبقة السياسية كانت السبب وراء كل التغييرات الدستورية التي حدثت في البلد، ولولا ذلك لما حدث انقلاب 2005 و2008، فمتي سنخرج من عنق الزجاجة للتأسيس لديمقراطية حقيقية؟
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين : أنا لا أوافق على أن الطبقة السياسية كانت وراء كل الانقلابات ، بالعكس كل الانقلابات باستثناء انقلاب 1978 ، كانت من تدبير العسكر كانت من تدبير الضباط و الضباط وحدهم ، و لو كانوا يستشيرون أو يتعاونون مع بعض القوى السياسية ، فهذه القوى السياسية ليست هي المسؤولة ، و لم يكن لها وزن طوال فترة الحكم العسكري ، كان الضباط يقومون بانقلابات و يدبرونها في الخفاء ، و يطيح بعضهم ببعض ، حتى الساعة ، كانت هناك فترة 1978 ، حيث كانت بعض القوى السياسية ، مثل البعثيين مثلا ، طرفا أو كانت لهم الفكرة الأولى السباقة للتغيير ، تغيير 1978 لكنهم فقدوا تأثيرهم و نفوذهم في يوم الانقلاب نفسه ، حيث استطاع الضباط أن يتحدوا من دونهم و أن يبعدوهم و يبعدوا الضباط المقربين منهم عن السلطة حتى اليوم ، أما القوى السياسية الأخرى فلم يكن لها أي تأثير في أي انقلاب ، ولو كانت هناك علاقات ، فإنها علاقات هامشية و ضعيفة جدا ، و بالتالي العسكريون مسؤولون عن كل التغيرات اللادستورية و مسؤولون عن كل الآلام التي لحقت بالديمقراطية في موريتانيا حتى الآن ، و لا أدل على ذلك من الانقلاب على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ، الذي تعهدوا له يوم استلامه للسلطة ، بأنهم لن يتدخلوا في السلطة و بأنهم سيعودون إلى ثكناتهم ، و بعد ذلك بخمسة عشر شهرا عادوا و انقلبوا عليه و أمسكوا بالسلطة، و ولد عبد العزيز يدير السلطة وحده الآن ، مع الجنرالات بدون أي تأثير لأي سياسي كان حتى الجماعة البرلمانية التي حضرت معه و أعانته على الإطاحة بسيدي ولد الشيخ عبد الله ، لم يعد لها أي وجود و لم يعد لها أي تأثير يذكر ، أما القوى السياسية الأخرى فما عليك إلا أن تسألها ، كما عليك أن تسأل الموالاة ما هو التأثير الذي عندهم و الشهادة التي أدلى بها صالح ولد حننا في البرلمان ذات معنى كبير ، حيث قال إن أحزاب الموالاة جاءت إلى الرئيس ولد عبد العزيز تسأله لماذا هو لا يستشيرها ، و لا يتعاون معها ، قال لهم أسألوا رئيس الحزب الحاكم ،هل أنا أستشيره ، فأجاب رئيس الحزب الحاكم لا أنت لا تستشيرني ، هذا يعطيك معنى الحكم العسكري ، الحكم العسكري لا يستشير أحدا ، و لا يتفاهم مع أحد و إنما يعمل بآرائه و نزواته .
المستقبل: هل لديكم تصور عن شكل التغيير القادم؟
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين : لا أستطيع أن أتنبأ بالغيب ، و لكن أعتقد أن موريتانيا ليست بدعا من الأمم ، فالتغيير القادم سيكون إما عن طريقة الربيع العربي و إما على طريقة الدول الإفريقية ، و لكن رغبتي ، كرغبة كل المعارضين ، هي أن يكون التغيير كما قال المرزوقي تغييرا متفقا عليه ، نابعا عن حوار و تفاهم و إجماع ، يفضي بالبلاد إلى نظام ديمقراطي يحدث التوازن المطلوب بين السلطات الدستورية و يسمح للشعب الموريتاني باختيار من يقودونه ، و يحترم حقوق الإنسان ، و يسمح برقابة المال العام بصورة صارمة ، و محايدة و نزيهة ، هذا ما نصبوا إليه ، لكن الأمور ليست بأيدينا والذي نؤكده لك أن التغيير آت لا محالة ، أما أن يكون حسب رغبتنا فهذا ما نرجوه ، لكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
المستقبل: تم الحديث عن وساطة فرنسية من أجل تنظيم انتخابات برلمانية يشارك فيها الجميع، فهل لديكم علم بذلك، أو بتحركات من أطراف دولية أخرى؟
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين : أنا لست على علم بهذه الوساطة ، كلما أنا على علم به هو أن السفير الفرنسي قام ببعض الاتصالات ، ببعض الأحزاب و تحدث معهم حول الأوضاع في البلد ، و لكن لم يصل الحديث إلى الوساطة أو إلى اقتراحات ملموسة من طرفه ، كذلك قام السفير الألماني و المسؤول السياسي في سفارة أمريكا بالاتصال ببعض الأحزاب خاصة اتحاد قوى التقدم لكن كان الحديث عاما ، و حول الوضع العام و لم يتطرق إلى مسائل ملموسة تتعلق بالوساطة من خلال الحديث أظهر هؤلاء فقط اهتمامهم بالأوضاع في موريتانيا ، و لكن الأمر لم يزد على ذلك .
المستقبل: غالبا ما تنتقدون مواقف النظام الخارجية، في الوقت الذي يرى خصومكم أن في الأمر نوعا من المزايدة، حيث تلعب موريتانيا دورا محوريا في الأزمة المالية من خلال إغاثة اللاجئين الطوارق، وها هي الآن تتدخل في الأزمة السورية، فما هو ردكم؟
النائب المصطفى ولد بدر الدين : نقدنا كان قد انصب على تصريحات أدلى بها وزير الخارجية أيام اندلاع الصراع المالي- المالي ، في هذا التصريح كان واضحا أن وزير الخارجية لم يحترم القواعد المطلوبة في العلاقة بين الدول الصديقة، خاصة انه كان يظهر ميلا واضحا لبعض الأطراف في النزاع و هذا لا يليق ببلد له علاقة طيبة بمالي ، كذا تصريحات الرئيس نفسه في جريدة "Le Monde" ذهبت في نفس المنحى ، يعني كان واضحا فيها عدم احترام مالي و سيادتها ، و كرامتها هذا كل ما لاحظناه ، .. أما موقفنا نحن من هذه الصراعات سواء في مالي أو في السنغال ، فإننا نحترم استقلال هذين البلدين ، و سيادتهما و نرجو لهما أن يتوصلا إلى حل متفق عليه في النزاع القائم داخلهما ، فهذا هو موقفنا ، نرفض التدخل و نرفض أن نساند طرفا في الأزمة على حساب الطرف الآخر ، و هذا الموقف هو الذي نقترحه على الحكومة ..
أما الوساطة التي يقوم بها النظام ، و التي يدعي أنه يقوم بها من أجل حل الأزمة السورية ، فهي ليست أكثر من ذر للرماد في العيون ، و محاولة إخفاء تواطئه مع نظام الأسد ، الذي يذبح شعبه ، كما تواطأ مع نظام القذافي أيام كان يذبح شعبه ، و نحن ندين ذلك التواطؤ ، و لا يمكن أن يخدعنا بقوله إنه يتوسط . وتصريحات الوزير الأول في دمشق فضحت سره ، حيث كان واضحا أنه يهاجم الثورة السورية ، و يتهمها بالعمالة للأجنبي و هذه ليست مهمة وسيط نزيه ، فمهمة وسيط نزيه أن لا يفهم منه ميل إلى أحد الأطراف، أما هذه الوساطة التي يظهر صاحبها ميلا واضحا إلى الجلاد السوري ، فهي ليست وساطة و إنما هي مؤامرة ضد الشعب السوري .
المستقبل: تكثفون من حملتكم ضد النظام إلي حد المطالبة برحيله، في الوقت الذي يرى أنصاره في ذلك نوعا من تكريس حرية التعبير، فما تعليقكم علي ذلك؟
النائب المصطفى ولد بدر الدين : حرية التعبير حق للشعب الموريتاني و للقوة السياسية يكرسها الدستور الذي صادق عليه الشعب سنة 1991 و الذي أعاد مراجعته سنة 2006 ، و ليست منة و لا هدية يقدمها النظام لمعارضيه ، إنها مكسب للشعب الموريتاني ، و لا يستشير عليها أحدا و نحن لا نستشير عليها أحدا ، المهم ليس حرية التعبير ، فحرية التعبير حق مكتسب ، لكن النظام قام بالحد من هذه الحرية ، فوسائل الإعلام غير مفتوحة أمام المعارضة ، خصوصا و سائل الإعلام العمومية ، الإذاعة و التلفزة ، و جريدة الشعب و لوريزوه ، يحتكرها النظام لتلميع صورته ، و للتعتيم على الجرائم و الأغلاط التي يرتكبها ضد الحريات العمومية. فمثلا البلاد الآن تشهد حملة قمع ، غير مسبوقة ، فالطلاب يضربون و يطردون ، و يعتقلون ، فالجامعة و المعهد العالي و جامعة لعيون مغلقون ، و هناك البنات الطالبات في المعتقلات منذ ما يزيد على أسبوع ، و بعضهن تعرضن للتعذيب ، و بعضهن محتجزات في مخافر لا يوجد فيها إلا رجال من الشرطة ، كل ذلك لا تسمع عنه شيئا في و سائل الإعلام العمومية ، هذه الوسائل التي مولها الشعب بأمواله لكنها مسخرة للتآمر على حرياته و للصمت و للتعتيم ، على الجرائم التي ترتكب ضده ، و انظر إلى المواشي التي تهلك و تنفق في جميع أنحاء البلاد نتيجة للجفاف و إهمال الحكومة لا تتفوه و سائل الإعلام بكلمة عن هذه الكارثة التي تحل بالشعب الموريتاني ، و أنظر إلى ارتفاع الأسعار الجنوني و إلى تجميد الرواتب و إلى إضرابات العمال لا تتكلم وسائل الإعلام عن هذه المشاكل ، و التعبير لا يمكن أن يتم إلا بوسائل إعلام منتشرة و مسموعة و مرئية ، أما المواقع الالكترونية و الجرائد المستقلة ، فلا يقرأها إلا عدد محدود من الناس ، و لا تصل إلى غالبية المواطنين ، و بالتالي الكلام عن حرية التعبير في هذه الظروف ، يعني كلاما مبالغ فيه مع أنها يكرسها الدستور ، و القوانين الموريتانية التي صودق عليها قبل مجيء ولد عبد العزيز تمت مصادرتها و تعطيلها .
المستقبل: ما هو تقييمكم لبرنامج أمل 2012؟
النائب المصطفى ولد بدر الدين : برنامج أمل 2012 كان يتوقع منه كما قالت الحكومة أن يتصدى لكارثة الجفاف في شقيها، شق توفير الحبوب للمواطنين و شق توفير الأعلاف للمواشي ، فيما يخص الحبوب ، هناك ما عرف بحوانيت التضامن ، التي زاد عددها لكن عددها لم يصل إلى العدد المطلوب بل جاء دونه بكثير ، لان هناك مقاطعات يبعد بعض القرى التابعة لها عن الأماكن التي توجد فيها الحوانيت حوالي 80 كلم ، و بالتالي لا يستفيد منها إلا الجزء القريب من أماكن وجود الحوانيت ، و هذا الحانوت لكي تستفيد منه لابد أن تأتي بالنقود جاهزة و أنت تعرف كم عدد الناس الذين يمكنهم أن يوفروا نقودا يوميا لشراء حاجاتهم . ثالثا المواد التي تباع في هذه الحوانيت لا تلاقي رواجا لدي الجميع، فهناك بعض الناس لا يرغبها ، فمثلا هناك من الناس من لا يأكل الأرز الموريتاني ، و هم يبيعون الأرز الموريتاني ، يعني باختصار هذه المواد لا تكفي كما و لا تكفي نوعا. أما في ما يخص الأعلاف فلم توفر الحكومة منها أي شيء إلى حد الساعة ، الناس يشاهدون مواشيهم تموت أمام أعينهم وهم لا يجدون من المساعدة إلا ما تقوله الإذاعة ، و نظرا لهذه الوضعية أضطر المنمون إلى الذهاب بحيواناتهم إلى مالي و إلى السنغال ، أضف إلى ذلك أن كلا من تلك الدولتين توجد فيه اضطرابات و البعض منها علاقتنا معه لم تعد كما كانت عليه مثل مالي ، مما يعرض تلك المواشي و ملاكها لخطر شديد أثناء تواجده على أراضي تلك الدولتين ،و لو فرضنا أن الأعلاف وصلت فلن تجد حيوانا يأكلها ، إذن هذا يعني أن الخطة لم تكن مستعجلة ، و لم تكن مجدية و بالتالي كانت أضحوكة ، على ذقون المنمين ، و المواطنين بصورة عامة ،
المستقبل: لقد تم تخطيط الأحياء العشوائية ومنح القطع الأرضية للمواطنيين، ألا يعتبر الأمر إنجازا يستحق الاشادة؟
النائب المصطفى ولد بدر الدين : موضوع مهم عندي أصلا و أنا مهتم به، ما يمكنني أن أقوله لك أن السياسة التي أتبعتها الحكومة منذ مجيء ولد عبد العزيز في تخطيط الأحياء العشوائية ، هي سياسة تدل على التخبط و الارتجالية ، ففي البداية قالوا إنهم سيحلون مشكلة هذه الأحياء في ظرف سنة واحدة يعني من أغشت 2008 إلى دجمبر 2010 ، يعني أكثر من سنة بأشهر ، و جاء دجمبر 2010 و لم تحل المشكلة ، و قالوا بعد ذلك أنهم سيحلونها في 2011 و لم تحل في ذلك الموعد ، و إلى الآن لم تحل .. و الوضعية بعد ثلاث سنوات هي أن هناك جزءا هام من سكان عرفات لم يتم حل مشكلتهم ، و هناك ما يعرف بسكان الأحياء العشوائية في توجنين بأكملهم لم تحل مشكلتهم ، و هاتان هما المقاطعتان اللتان يتواجد فيهما سكان الأحياء العشوائية بكثرة ، حتى الحي الساكن الذي تم البدء به سنة 2008 لا تزال فيه المشاكل قائمة ، هناك حوالي ثلاثمائة حالة ، لم يتم حلها حتى الآن ، و الحصيلة النهائية الحالية أن اللذين كانوا في "الكزرات" حول بعضهم ليسكنوا ما سمي بأحياء الترحيل ، يعني حولوا من أعرشه ليسكنوا أعرشه أخرى رغم التعهد الذي قطعه ولد عبد العزيز على نفسه بتحويل سكان الكبات من سكان أعرشه إلى سكان منازل من الاسمنت المسلح ، فيها الماء و فيها الكهرباء ، فهذا هو التعهد الذي قطعه على نفسه..
بعد هذه المدة الزمنية ماذا حدث ، حول بعضهم من أعرشه قريبة من المدينة ، إلى أعرشه بعيدة من المدينة ، أما الباقي فلم يتم تحويله ، بل مازال في مكانه و الأدهى والأمر من ذلك أن حوالي نصف سكان الكبات ، حطمت أمكنتهم التي كانت عندهم و تكبدوا في بنائها في الماضي كل مايملكون ، فتم تحطيم هذه الأمكنة و رحلوا و لم تساعدهم الدولة بأوقية واحدة ، عكسا لما كان يحدث قبل ولد عبد العزيز ، حيث كان المرحلون من الأحياء العشوائية يحصلون على سبعين ألف أوقية من طرف الدولة و يحصلون كذلك على مساعدة من ما يعرف حينها بمنظمة "أتويزه" تعينهم علي البناء في الأماكن الجديدة ، أما الآن فقد اختفت المساعدة كلها ، وحطم ما كانوا يملكونه من مساكن و بقوا بدون مساعدة ووضعوا في العراء في هذه الأحياء الجديدة ، و بالتالي لا يمكن أن نقول أن ولد عبد العزيز قدم خدمة لهؤلاء الفقراء ، و إنما زاد حياتهم شقاء .