أغلب رؤساء العالم يولون اهتماما كبيرا لمظهرهم، لكن رئيس الأوروغواي يشذ عن هذه القاعدة، باعتباره أفقر رؤساء العالم وفي الآن ذاته أكثرهم كرما وسخاء وأحبهم عند شعبه، خوسي موخيكا قبل انتخابه للرئاسة عام 2010 كان عضوا في جماعة «توباماروس» الثورية اليسارية المسلحة التي استلهمت فكرها من الثورة الكوبية.
موخيكا من مواليد 20 مايو 1935، تولى سدة الحكم منذ مارس 2010 عن سن يناهز 75 عاما، وقد سبق أن عمل وزيراً للثروة الحيوانية والزراعة والثروة السمكية ما بين عامي 2005 و2008.
ويتلقى موخيكا راتباً شهريا قدره 12 ألف و500 دولار ولكنه يحتفظ لنفسه بنسبة 10 بالمئة فقط من راتبه ويتبرع بالباقي للجمعيات الخيرية في بلاده، وعن ذلك يقول ان المبلغ الذي يتركه لنفسه يكفيه ليعيش حياة كريمة بل ويجب أن يكفيه خاصة وأن العديد من أفراد شعبه يعيشون بأقل من ذلك بكثير. لذلك حصل على اعتراف دولي وعلى لقب «أفقر رئيس في العالم وأكثرهم سخاءً»، ويعيش رئيس الأوروغواي منذ توليه الرئاسة في شهر مارس 2010، في بيت ريفي بمزرعته ويرفض العيش في القصر الرئاسي، كما أنه لا ينتفع بالحراسة المشددة كبقية رؤساء العالم.
وفي فصل الشتاء الذي عادة ما يكون باردا للغاية في أميركا الجنوبية، ينشغل موخيكا بالتفكير في الفقراء من أبناء شعبه وخاصة منهم المشردين الذين ربما لا يجدون مساكن تأويهم وتحميهم من المناخ البارد وقد عرض في شتاء العام الماضي على المصالح الاجتماعية في حكومته استعمال بعض أجنحة القصر الرئاسي المعروف باسم «كاسا سواريث إي رييس» في العاصمة مونتفديو لتوفير المأوى للمشردين في حالة عدم كفاية المراكز الموجودة في العاصمة.
وجاء قراره بعدما اطلع على جميع مراكز الإيواء ونسبة المشردين، وتبين له أن بعض المشردين سيبقون دون مأوى، ولا بد من الإشارة أن مثل هذه القرارات الصادرة عنه ليست من باب التودد ونيل الإعجاب من الرأي العام بل يبدو ذلك من طباعه ومن مبادئه ذات الأصول الشيوعية، فقد سبق له أن أسكن في القصر الرئاسي امرأة وأبناءها المشردين حتى وجدت لهم المصالح الاجتماعية مأوى.
ومنذ وصول اليسار إلى الحكم مع الرئيس السابق تاباري باسكس (2005- 2010) بدأ يتخلى عن هذا القصر، واكتفى بإقامة عادية واختزل دور القصر في عقد بعض اللقاءات الرسمية مع قادة الدول الأجنبية، ولما وصل خوسيه موخيكا إلى الرئاسة اتبع نهج سلفه بل وعمل على مزيد من التقشف.
زوجته هي لوسيا توبولانسكي، وهي عضو في مجلس الشيوخ، وتتبرع هي الأخرى بجزء من راتبها، ويقال أنه تزوجها قبل توليه الرئاسة بفترة قصيرة رغم أنه يعيش معها منذ 25 عاما، وفي حديث صحفي معها تقول لويا عن زوجها: «موخيكا رجل ريفي مثقف ذو شخصية جمعت بين الحكمة والحلم، قلبه ظل يحافظ على خفة المراهقة الحالمة، ما جعل الأوروغوايين يطلقون عليه لقب «بيبي» أو «الختيار» أو «الجدّ من دون أحفاد»، هو صريح في كلامه.. وكلانا يعشق عالم الزهور والزراعة».
وتؤكد أنها مستعدة للتضحية مع زوج مثله، وأنه عليها أن تحضر بنفسها يوميا العشاء لزوجها لأنه يحب ذلك، وتضيف أن الجميع يعرفها في الأوروغواي، لأنها تنزل للتسوق بنفسها وتتجول بكل أريحية بين المتاجر وحال ما ينتبه الناس لوجودها يصرون على التقاط الصور والحديث معها.
ويشير مؤشر منظمة الشفافية العالمية أن معدل الفساد في الأوروغواي انخفض بشكل كبير خلال ولاية موخيكا، إذ يحتل هذا البلد الواقع في أميركا الجنوبية المرتبة الثانية في قائمة الدول الأقل فسادا في أميركا اللاتينية، ومن أشهر مقولات موخيكا في هذا المجال: «أهم أمر في القيادة المثالية هو أن تبادر بالقيام بالفعل حتى يسهل على الآخرين تطبيقه».
ولا يتبنى موخيكا المنتمي لحركات اليسار المسلح أسلوبا شعبويا في سياسته بل يتصرف ويعيش ببساطة وهو قليل الظهور في وسائل الإعلام لذلك يوصف بالرئيس العملي الذي يصنف بالأكثر قربا من شعبه في العالم، وتطلق عليه الصحافة «أفقر رئيس في العالم أو رئيس الفقراء» بسبب تواضعه رغم رئاسته للبلاد، هذا بالتحديد ما يميزه عن جميع رجال السياسة في العالم، وفي مقابلة صحفية معه قال موخيكا بكل فخر: أن أغلى شيء يملكه هو سيارته «الفولس فاغن بيتل» ذات الطراز القديم التي لا تتعدى قيمتها ألفي دولار، كما أنه لا يملك حسابات مصرفية ولا ديون، ويستمتع بوقته في مزرعته رفقة زوجته، وأن كل ما يتمناه عند انقضاء فترة حكمه هو مواصلة العيش بنفس النمط.